في إبريل من هذا العام، قدمت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (يو أس أيد)، التي من المعروف أنها شاركت في عمليات سرية لتغيير النظام، تقريرها بشأن غزة إلى الكونجرس. وخلص التقرير إلى أن إسرائيل تمنع عمداً وصول المساعدات إلى الفلسطينيين في القطاع، وكذلك مكتب السكان واللاجئين والهجرة التابع لوزارة الخارجية، والذي دعا إلى تجميد قانون المساعدات الخارجية الذي يمول عمليات شراء الأسلحة لإسرائيل.

ومع ذلك، عند تلقي التقارير ــ أحدهما من داخل وزارته، والآخر من "وكالة مستقلة تعمل عن كثب" مع وزارته ــ صرح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن: "نحن لا نقدر حالياً أن الحكومة الإسرائيلية تحظر أو تقيد بأي شكل آخر نقل أو تسليم المساعدات الإنسانية الأميركية".

وفي اجتماع مع الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ في تل أبيب في وقت سابق من هذا الأسبوع، حذر بلينكن دولة الاحتلال من أن المزيد من العمل مطلوب لمعالجة الظروف الإنسانية في غزة. وبحسب المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر، "أشار الوزير إلى ضرورة استعادة المساعدات الإنسانية المستدامة إلى غزة، وأكد على أهمية إنهاء الحرب بطريقة تضمن إطلاق سراح الرهائن وتهيئة الظروف لاستقرار إقليمي أوسع".

لا يوجد بالطبع ما يسمى بالمساعدات الإنسانية المستدامة أثناء الإبادة الجماعية. هدف الإبادة الجماعية هو إبادة السكان، وبالتالي فإن الإصرار على المساعدات الإنسانية أثناء استمرار الإبادة الجماعية بدلاً من الدعوة إلى وقف الإبادة الجماعية هو انحراف. وعلاوة على ذلك، فإن إنهاء الحرب لإطلاق سراح الرهائن وخلق الاستقرار الإقليمي لا يقول شيئًا عن ما سيحدث للشعب الفلسطيني.

يجب أن نسأل، إذن، ما إذا كان الفلسطينيون سيستمرون في التعرض للاستغلال والقتل باسم المساعدات الإنسانية و"الاستقرار الإقليمي"؟ هل تتخيل الولايات المتحدة، مثل إسرائيل، شرق أوسط بدون فلسطينيين، وبالتالي لا يوجد ذكر واضح للفلسطينيين ومصيرهم في بيان ميلر؟

 وفي هذه الحالة، ألا تعمل الولايات المتحدة بنشاط على تعزيز استمرار الإبادة الجماعية طالما يمكن إطعام الفلسطينيين وسقاية أجسادهم وعلاجهم قبل قتلهم؟

دعونا لا ننسى أن إسرائيل تقود أيضًا الرواية التي تدفع باتجاه الحرب مع إيران. في ظل هذه الخطط الاستعمارية الضخمة، بما في ذلك الإبادة الجماعية والحرب الشاملة، ما هو الدور المحدد للمساعدات الإنسانية؟

المساعدات الإنسانية مصممة للتخفيف المؤقت من المعاناة. لدرجة أن ميزانيتها لا تذكر مقارنة بالمليارات التي تنفق على الأسلحة والذخيرة. ومع هذا التناقض الهائل، يجب محاسبة المجتمع الدولي - بقايا القوى الاستعمارية - على ابتكار برامج معيبة تساهم في قتل البشر.

دعوة إسرائيل للسماح للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى الفلسطينيين في غزة مع السماح باستمرار الإبادة الجماعية ليست سوى طريقة أخرى للولايات المتحدة لتقول: "أطعموا الفلسطينيين ثم اقتلوهم لاحقًا".

نعود إلى بيان ميلر الذي يلخص تعليقات بلينكن و"المساعدات الإنسانية المستدامة". لا تنسوا أن إسرائيل تعهدت بتجويع الفلسطينيين وهي تفعل ذلك بنشاط. حتى الوكالة الأميركية للتنمية الدولية اعترفت بمعرفتها بانتهاكات إسرائيل، وهو أمر مدهش بالنظر إلى أنها تنص على موقعها على الإنترنت على أنها "تلعب دوراً نشطاً وحاسماً في تعزيز مصالح السياسة الخارجية الأميركية". ولم يتلق أحد، سواء بلينكن أو موظفو الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، المذكرة.

وفي حين لا يمكن الوثوق بأي وكالة أميركية على الإطلاق، وأن المساعدات الإنسانية متشابكة مع قضايا الدبلوماسية والدفاع، تظل الحقيقة أن بلينكن تجاهل استنتاج شعبه بشأن حرمان إسرائيل المتعمد للمساعدات الإنسانية للفلسطينيين، وقد فعل ذلك من أجل الاستمرار في توريد الأسلحة للإبادة الجماعية في غزة. والآن تسيطر علينا القوى الاستعمارية السابقة والحالية جميعاً مع تجاهل تام للقوانين والمعاهدات الدولية التي وضعتها من أجل حمايتها.