يحتفل العمال، اليوم الأربعاء، بعيدهم الدولي، وتعود خلفية هذا اليوم إلى عام 1886 حيث كانت ولاية شيكاغو الأمريكية تخوض نزاعات عمالية لتخفيض ساعات العمل بزعامة الحركة التي تعرف بــ"حركة الثمان ساعات".

قد دعت النقابات الأمريكية إلى إضراب في الأول من مايو للمطالبة بثماني ساعات عمل يوميًا، وتضامن مئات الآلاف من العمال مع هذه الدعوة، ثم اندلعت أحداث دامية في شيكاغو – في ساحة هايماركت - حيث قُتل عدد من المضربين على أيدى الشرطة.

وفى عام 1889 تقرر تنظيم تظاهرة عالمية للعمال بتاريخ الأول من مايو 1890 إحياء لهذه الذكرى، وتجاوزت القضية حدود أمريكا وبلغ صداها عمال العالم وتمت الدعوة لمظاهرات دولية، وفي عام 1958 اعتبر الكونجرس الأمريكي هذا اليوم "يوم وفاء لذكرى ساحة هايماركت"، وأعلن الرئيس الأمريكي "أيزنهاور" يوم الأول من مايو يوم إجازة رسمية.

 

انتهاكات وملاحقات أمنية ضد العمال في مصر

وتحل ذكري عيد العمال على مصر التي تعتبر الطبقة العاملة فيها هي الشريحة الأكبر - وهي شريحة تنحدر إلى الفقر – يعاني فيها العمال كثيرًا من الفقر، وتأخير المستحقات المالية، وكثرة الملاحقات الأمنية.

وأفاد تقرير حقوقي جديد صادر عن "لجنة العدالة" بوجود انتهاكات وملاحقات أمنية ضد العمال في مصر، خلال الفترة من بداية عام 2023 وحتى فبراير 2024.

ووفقًا للتقرير، فإن الاحتجاجات العمالية تعد من الظواهر الاجتماعية والسياسية المؤثرة في المشهد الوطني في مصر، ورغم ذلك، تعاملت السلطات معها بشكل أمني بحت، مما أدى إلى تحجيم فاعلية وحراك العمال.

ويتضمن التقرير توثيقًا لحالات متعددة من التدخل الأمني في الاحتجاجات العمالية، بما في ذلك اعتقالات وملاحقات للعمال، وذلك بسبب نضالهم من أجل مصالحهم الاقتصادية والمهنية.

كما يرصد التقرير تناقض القوانين المحلية مع التزامات مصر الدولية ودستورها فيما يتعلق بحقوق العمال، مما يؤثر سلبًا على قدرتهم على التنظيم والتعبير عن مطالبهم.

وفي ختام التقرير، دعت “لجنة العدالة” السلطات في مصر إلى إعادة النظر في القوانين التي تقيّد حقوق العمال، وإلى توفير فرص متساوية للجميع في مجال التعليم والعمل، دون تمييز أو ملاحقة أمنية غير مبررة.

 

6241 انتهاكًا للعمال في 2023

ومن أهم أسباب معاناة الطبقة العاملة في مصر هو توسع قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي في إنشاء مشروعات غير تنموية لها طبيعة إعلامية فقط ولخدمة الطبقات العليا فقط، مما حمّل خزانة الدولة أعباء فوق طاقتها.

وقد ترتب على ذلك انهيار العملة المحلية، وزيادة نسبة التضخم إلى مستويات غير مسبوقة، مما ألحق بفئة العمال أضرارًا بالغة؛ حيث بلغ إجمالي حجم الانتهاكات التي تعرض لها العمال والعاملات خلال عام 2023 نحو6241 انتهاكًا وفقًا للتقرير الصادر عام 2023 عن دار الخدمات النقابية والعمالية، وفقًا لتقرير صادر اليوم الأربعاء عن "الشهاب لحقوق الإنسان".

كما بلغ عدد الانتهاكات المتعلقة بتأخر صرف الرواتب نحو 6762 انتهاكًا، وتلاه في الترتيب عمليات الخصم من المرتب وإلغاء علاوة غلاء المعيشة والتي بلغ عدد الانتهاكات بها نحو 2438 انتهاكًا.

وتركزت الانتهاكات وفقًا لنوع النشاط الاقتصادي في النشاط الصناعي خاصة الصناعات المعدنية، حيث بلغ عدد انتهاكات حقوق العاملين بها نحو 4843 انتهاكًا، تلاها في الترتيب صناعات الغزل والنسيج والمفروشات والملابس بإجمالي 2649 انتهاكًا، وجاءت في المرتبة الثالثة صناعات الأجهزة الكهربائية بما يعادل  2500 انتهاكًا، ثم العاملين في مجال الصيد بمقدار 100 انتهاك.

وجاء في المرتبة قبل الأخيرة العاملين في مجال الخدمات الصحية بمقدار 12 انتهاكًا، وأخيرًا العاملين في مجال صناعة الطوب 10 انتهاكات، كما عمدت إدارة الشركات إلى إيقاف 76 عاملًا عن العمل لمدة 3 أشهر، كما بلغ عدد العمال الذين تعرضوا لإصابات عمل ناجمة عن تدني أو انعدام إجراءات السلامة والصحة المهنية نحو 29 عاملًا، وقد بلغت حالات الوفاة 4 حالات بين العمال.

وبعد أن سيطرت المؤسسة العسكرية على أكثر من نصف اقتصاد البلاد - حيث قامت بشراء الأراضي والمصانع والمستشفيات والفنادق -، فإن العمال الذين يشتغلون في هذه الجهات - ونقاباتهم العمالية - يضعهم في خطر الملاحقة القضائية أمام المحاكم العسكرية وفقًا لقانون القضاء العسكري، هذا فضلًا عن تزايد أوضاع العمال سوءًا خاصةً مع انحياز الدولة للمستثمرين وأصحاب العمل من القطاع الخاص على حساب حقوقهم.

 

احتكاكات وقمع

ومن أبرز وقائع التدخل الأمني ضد الاحتجاجات العمالية منذ بداية 2024، التعامل الأمني مع أزمة عمال شركة "غزل المحلة"، وإضرابهم لحين تطبيق قرار الحد الأدنى عليهم، حيث ألقي القبض على عدد من العاملين في الشركة بمقر الأمن الوطني بالغربية، وإحالة واحد منهم لنيابة أمن الدولة العليا.

وكان جهاز الأمن الوطني، قد استدعى عددًا من عمال غزل المحلة، في فبراير الماضي، على خلفية اشتراكهم في إضراب عن العمل، للمطالبة بحد أدنى للأجور بقيمة 6 آلاف جنيه، وجرى الإفراج عنهم لاحقًا، عقب فض العمال للإضراب، بعد الاستجابة الجزئية لمطالبهم، وأبقي على العاملين وائل أبو زيد ومحمد طلبة، وجرى تجديد حبسهما خمس مرات متتالية على ذمة القضية رقم 717 لسنة 2024.

ومن أمثلة التعامل الأمني مع الحراك العمالي أيضًا، ما حدث مع أزمة معلمي مسابقة الـ 30 ألف معلم، حيث استُبعد 14 ألفًا منهم لأسباب غير معلومة، وحين اعتصموا اعتراضًا على ذلك الاستبعاد؛ ألقي القبض على 14 معتصمًا منهم من أمام مقر وزارة التربية والتعليم بالعاصمة الإدارية، وعرضوا على نيابة أمن الدولة العليا؛ التي وجّهت لهم اتهامات بالانضمام إلى جماعة إرهابية، ونشر وإذاعة أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والاشتراك في تجمهر.

وكانت الحكومة قد دعت عن طريق الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، إلى المشاركة في المسابقة المؤهلة لتعيين 30 ألف معلم سنويًا، لسد العجز الذي تعانيه المدارس المصرية في الكوادر البشرية، إلا أن أعدادًا كبيرة من الناجحات والناجحين في المسابقة فوجئوا باستبعادهم لأسباب تمييزية، بالمخالفة لنصوص الدستور والقانون، تتعلق بالوزن الزائد، والطول، والحمل، والولادة الحديثة، أو عدم اجتياز تدريبات عُقدت للياقة الطبية والبدنية والذهنية وكشف الهيئة، عُقدت جميعها في مقر الكلية الحربية بالقاهرة وتحت إشرافها.

 

ظروف عمل غير آمنة للعمال في مصر

ويتعرض العمال في مصر لظروف عمل غير آمنة تمثلت في:

1 - تعرض العمال للوفاة أو الإصابة الناجمة عن انعدام إجراءات السلامة والصحة المهنية.

2 - حالات الانتحار التي أقدم عليها العمال بأنفسهم في مواقع عملهم تعبيرًا عن غضبهم من الانتهاكات التي يتعرضون لها، ومن سوء أوضاعهم، مما جعلهم عاجزين عن الوفاء بالتزاماتهم المادية تجاه أسرهم.

3 - تعرض الأطفال العاملين لعدد من الانتهاكات والمخاطر بسبب طبيعة المهن التي يعملون بها لعدم توافر سبل السلامة والصحة المهنية بمواقع عملهم، مما يعرضهم للعديد من الحوادث.

كما عمد النظام إلى حرمان العمال من الحصول على زيادة الحد الأدنى للأجور وكذا تأخر صرف الرواتب والخصم من المرتب وإلغاء علاوة غلاء المعيشة.

هذا فضلًا عن الانتهاكات التي طالت العمال سواء في القطاع الخاص أو قطاع الأعمال العام فضلًا عن القطاع الحكومي ومن مظاهر هذه الانتهاكات:

1 - انتهاكات الانتخابات النقابية العمالية، حيث يتم الاستبعاد من قوائم المرشحين بسبب اعتبارات لدى أجهزة الأمن أو لاعتبارات لصالح رجال الاتحاد العام لنقابات عمال مصر "التابع للنظام الحاكم" سواء باستبعاد مرشحي اللجان النقابية المستقلة، أو باستبعاد المرشحين المنافسين لانتخابات مجالس إدارات اللجان النقابية التابعة للاتحاد نفسه، أو لاعتبارات شخصية أو انتقامية.

2 – تعرض محامو حقوق العمال والنقابيون والعمال القائمين على تنظيم الإضرابات للاعتقال والتعذيب، والتسريح الجماعي من العمل وتلفيق القضايا والمحاكمات أمام المحاكم العسكرية.

وطالب "مركز الشهاب لحقوق الإنسان" النظام المصري بتوفير حياة كريمة للعمال وظروف عمل آمنة لهم ، وإيقاف جميع الانتهاكات التي يتعرضون لها بشكل عاجل وكامل، والكف عن الملاحقة الأمنية للمدافعين عن حقوقهم والكف عن التنكيل بهم قضائيًا، والإفراج الفوري عن المعتقلين منهم.