بينما تعيش مصر في ظل أزمات اقتصادية متزايدة، تتفاقم معاناة المواطن العادي الذي يعاني من البطالة وارتفاع الأسعار وصعوبة توفير الاحتياجات الأساسية. وفي الوقت الذي كان ينبغي على النظام الحالي وضع خطط تنموية تهدف إلى تحسين الوضع المعيشي وتوفير فرص عمل، تتجه الحكومة للتركيز على بناء مئات الجسور والأنفاق، في مشاريع يصفها كثيرون بأنها غير مدروسة وتهدف فقط إلى الدعاية والتلميع الإعلامي.
منذ تولي رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي السلطة، باتت المشاريع القومية مثل بناء الجسور والأنفاق محور اهتمام النظام، حيث اعتبرها وسيلة لعرض "إنجازات" لا تنعكس بشكل مباشر على حياة المواطنين. فبينما تتجه الحكومة إلى صرف مليارات الجنيهات على مشاريع الطرق والجسور، يغفل النظام عن الأزمات الأكثر إلحاحًا، مثل توفير فرص العمل ومكافحة الجوع المتزايد في البلاد.

إغفال الأولويات.. الفجوة بين الاحتياجات والمشاريع
مع تزايد معدلات البطالة وارتفاع نسبة الفقر، ينتظر المواطن المصري من حكومته أن توجه استثماراتها نحو قطاعات تعود عليه بالنفع المباشر، مثل التعليم والصحة والصناعات المحلية التي من شأنها توفير فرص عمل جديدة. ولكن بدلاً من ذلك، يخصص النظام الحالي مبالغ ضخمة لتشييد مئات الجسور دون دراسة واقعية لمدى حاجة البلاد لمثل هذه المشاريع.
يشير بعض الخبراء إلى أن العديد من هذه الجسور لا تلبي حاجة ماسة، بل تفتقر إلى جدوى اقتصادية واضحة. وفي الوقت الذي يمكن فيه توجيه هذه الأموال لتحفيز القطاعات الإنتاجية وتشجيع الصناعات الصغيرة، التي تساهم في تحسين دخل المواطن، يبقى النظام متمسكًا بخططه في الإنفاق على مشاريع لا تعالج الأزمات الأساسية.

الهدر المالي.. أولويات مشكوك فيها
تتطلب مشاريع الجسور والأنفاق استثمارات ضخمة، حيث تتراوح تكاليف بناء الجسر الواحد بين مئات الملايين ومليارات الجنيهات، حسب حجمه وموقعه. وبينما تزداد نسبة الفقر وتُثقل الأعباء الاقتصادية كاهل المواطن المصري، يستمر النظام في هدر المال العام في مشاريع لا تحقق تنمية حقيقية.
يرى المحللون أن هذه المشاريع أصبحت وسيلة لإرضاء المؤسسات العسكرية التي تمتلك اليد العليا في تنفيذها، مما يعزز نفوذها في الاقتصاد ويجعلها المستفيد الأكبر من هذه الأموال العامة. فعلى حساب مشاريع التنمية الحقيقية، التي من شأنها خلق فرص عمل جديدة وتحقيق الاكتفاء الذاتي، تنحصر الاستثمارات في قطاع البناء والتشييد الخاضع لهيمنة المؤسسة العسكرية، مما يفاقم الاعتماد على المشاريع الرأسمالية الكبيرة ويهمش القطاعات التي تمثل احتياجًا مباشرًا للمواطنين.

البطالة.. الأزمة المتفاقمة
البطالة هي إحدى أبرز الأزمات التي تعاني منها مصر، حيث يُقدر عدد العاطلين عن العمل بملايين، لا سيما في صفوف الشباب وخريجي الجامعات. إلا أن هذه الفئة تعاني من تجاهل واضح من قبل الحكومة، التي لا توفر برامج تأهيل أو فرص عمل حقيقية تتناسب مع مهاراتهم. على العكس، يضطر هؤلاء الشباب إلى القبول بوظائف مؤقتة بأجور زهيدة لا تكفيهم لسد احتياجاتهم الأساسية.
ويمكن القول إن النظام يسعى من خلال هذه المشاريع إلى توفير بعض فرص العمل المؤقتة في قطاع البناء، لكن تأثيرها يظل محدودًا ولا يعالج أصل المشكلة. فهذه الوظائف تنتهي بانتهاء المشروع، وتبقى المشكلة الأساسية قائمة دون حلول طويلة الأمد.

الفقر والجوع.. أزمة تهدد الملايين
مع ارتفاع معدلات التضخم وتآكل القدرة الشرائية للجنيه المصري، ازدادت معدلات الفقر والجوع بشكل مقلق. حيث يُعاني ملايين المصريين من صعوبة تأمين قوت يومهم، في ظل ارتفاع الأسعار وانخفاض الدعم الحكومي للسلع الأساسية. وقد أظهرت تقارير منظمات محلية ودولية ارتفاع نسبة الفقر بشكل غير مسبوق، ما جعل الأسر المصرية تتجه إلى خفض استهلاكها اليومي والتخلي عن كثير من الأساسيات.
بدلاً من توجيه الميزانية لدعم برامج التغذية أو تحسين شبكات الأمان الاجتماعي، يصر النظام على متابعة مشاريعه الضخمة التي لا تساهم بشكل فعّال في تحسين الوضع المعيشي. وهذا يعكس سياسة تجاهل واضحة للأزمات الاجتماعية المتفاقمة، حيث لا يجد المواطن البسيط دعمًا حكوميًا لمساعدته على تخطي الأعباء اليومية.

مشاريع ظاهرية.. وانعدام الرؤية الشاملة
بينما يصف النظام مشاريع الجسور بأنها "مشاريع قومية كبرى" تهدف إلى تحسين البنية التحتية، يرى كثيرون أنها تأتي في سياق تلميع صورة الحكومة من دون معالجة حقيقية للأزمات. فبدلاً من التركيز على الحلول الفعلية التي تخفف معاناة المواطنين، يسعى النظام إلى إبراز هذه المشاريع كإنجازات تاريخية، دون الأخذ بعين الاعتبار أولويات الشعب أو حاجاته الفعلية.
إن بناء البنية التحتية هو بالطبع جزء أساسي من التنمية، ولكن في ظل أزمة اقتصادية خانقة تعاني منها البلاد، يجب أن تتسم هذه المشاريع بالحكمة والأولوية الحقيقية. فالإصرار على صرف أموال ضخمة على جسور وطرق لا تؤثر بشكل مباشر على الحياة اليومية للمواطنين يعدُّ ترفًا وسفهًا في إدارة الموارد.

الخاتمة
إن النهج الذي يتبعه النظام الحالي في تجاهل الأزمات الحقيقية التي يواجهها المواطن المصري، والتركيز على مشاريع لا تلبي الاحتياجات الأساسية، يعكس انعدام رؤية شاملة وحكيمة للتنمية. ففي وقتٍ يعاني فيه المواطن من البطالة والفقر والجوع، تصبح هذه المشاريع بمثابة "استعراضات" لا تتناسب مع التحديات الراهنة.
ما يحتاجه الشعب هو حكومة تضع مصلحته نصب عينيها، وتتبنى سياسات تهدف لتحسين مستوى معيشته وتأمين احتياجاته الأساسية، لا مشاريع ضخمة تستنزف موارد الدولة وتعزز نفوذ المؤسسات العسكرية على حساب مستقبل الأجيال القادمة.