منذ تولي رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي الحكم، ارتفعت تكاليف المعيشة في مصر بشكل حاد وغير مسبوق. وقد تدهورت القدرة الشرائية للمواطن العادي، حتى بات ملايين المصريين غير قادرين على تأمين الاحتياجات الأساسية. في ظل الارتفاع الهائل للأسعار والسياسات الاقتصادية التي فاقمت الفقر، اضطر الكثير من المصريين إلى اللجوء للتسول كوسيلة أخيرة للحصول على لقمة العيش.

ارتفاع الأسعار وغياب السياسات الداعمة
تفاقمت أزمة الغلاء في مصر بشكل كبير، حيث شهدت أسعار السلع الأساسية ارتفاعات متتالية، جعلت من المستحيل على كثير من الأسر توفير احتياجاتها. وقد أظهرت إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن التضخم وصل لمستويات قياسية، مع زيادات كبيرة في أسعار السلع الغذائية الأساسية مثل الخبز والزيت والأرز. وقد انعكس هذا الارتفاع على محدودي الدخل والفقراء الذين بالكاد يستطيعون مواكبة تكاليف الحياة اليومية، خاصةً في ظل سياسات رفع الدعم الحكومي عن بعض السلع الأساسية.

ويرجع المراقبون تفاقم هذه الأزمة إلى قرارات حكومية غير مدروسة، كان آخرها خفض الدعم على الوقود وزيادة أسعار الكهرباء، مما أدى إلى تضاعف تكاليف الإنتاج وزيادة الأسعار النهائية للسلع. وبدلاً من تبني سياسات اجتماعية لدعم الفئات الفقيرة، اعتمد النظام على الاقتراض بشكل مفرط مما أدى إلى تراكم الديون وإضعاف العملة المحلية، ليصبح المواطن هو الضحية الأولى لهذه السياسات.

التضخم وانخفاض قيمة الجنيه
منذ تعويم الجنيه المصري في عام 2016، تضاعفت قيمة العملات الأجنبية أمام الجنيه، وأدى ذلك إلى ارتفاع تكلفة استيراد السلع الأساسية. وزادت معدلات التضخم لتصل إلى مستويات غير مسبوقة، وأصبح المواطنون يعانون من ارتفاع أسعار السلع الأساسية. حتى الأسر ذات الدخل المتوسط، التي كانت قادرة على تحمل بعض الأعباء، وجدت نفسها غير قادرة على توفير أساسيات الحياة.

وبحسب خبراء اقتصاديين، فإن هذه السياسات أدت إلى توسع دائرة الفقر لتشمل شرائح واسعة من المجتمع المصري، بينما لم تساهم في تحسين الوضع الاقتصادي للبلاد. كما أن ارتفاع معدلات التضخم أثر بشكل مباشر على قدرة المواطنين على الادخار أو التخطيط للمستقبل، حيث باتت رواتبهم تلتهمها احتياجاتهم اليومية الأساسية.

البطالة وتراجع فرص العمل
إلى جانب ارتفاع الأسعار، يواجه المصريون أزمة أخرى تتعلق بتراجع فرص العمل وزيادة معدلات البطالة. لقد أصبح من الصعب على الشباب الحصول على وظائف مستقرة، مما دفع البعض إلى امتهان أعمال غير رسمية أو حتى اللجوء للتسول من أجل البقاء. هذا التراجع في سوق العمل أدى إلى خلق حالة من الإحباط العام، حيث فقد الكثيرون الثقة في قدرتهم على تحقيق طموحاتهم وتأمين مستقبل أفضل لأنفسهم ولأسرهم.
كما أن الأوضاع الاقتصادية دفعت العديد من أصحاب الأعمال الصغيرة إلى إغلاق مشروعاتهم نتيجة لارتفاع تكاليف الإنتاج، مما زاد من معدلات البطالة وأدى إلى تقلص فرص العمل المتاحة، مما يدفع المزيد من الناس نحو دائرة الفقر.

التسول كملاذ أخير
في ظل هذه الظروف القاسية، وجد بعض المصريين أنفسهم مضطرين إلى التسول للحصول على قوت يومهم. وتنتشر مشاهد التسول في شوارع المدن المصرية، حيث يقف رجال ونساء وأطفال في تقاطعات الطرق أو أمام المساجد والمحال التجارية، سعيًا للحصول على مساعدة بسيطة تمكنهم من شراء الطعام.

وفي ظل غياب أي برامج حكومية فعالة لدعم الفئات الأكثر ضعفًا، أصبح التسول هو الخيار الوحيد للبقاء على قيد الحياة. وأفادت تقارير محلية بأن نسبة التسول ارتفعت بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، حيث يلجأ الناس لهذه الوسيلة التي كانت تعتبر سابقًا مهينة للكثيرين.
يقول أحد المتسولين في أحد شوارع القاهرة: "لم أتوقع يومًا أن أصل لهذه المرحلة، كنت أعمل في وظيفة مستقرة، لكن الظروف الاقتصادية أجبرتني على ذلك. لم أعد أستطيع توفير الطعام لأطفالي، لذا اضطررت للجوء للتسول."

غياب الأمل ومستقبل غامض
أدى تفاقم الأوضاع المعيشية إلى إحباط شديد بين صفوف المصريين، الذين يشعرون بأن مستقبلهم ومستقبل أبنائهم أصبح غامضًا ومليئًا بالتحديات. وأصبح من الصعب على الأسر التخطيط للمستقبل، حيث بات توفير احتياجاتهم اليومية هو الهم الأساسي. كما أن عدم توفر فرص عمل كافية وارتفاع تكلفة التعليم والخدمات الصحية، ساهم في نشر حالة من الإحباط واليأس بين المواطنين.

تعكس هذه الحالة الصعبة التي يعيشها المصريون نتائج السياسات الاقتصادية للنظام الحالي، الذي وُعد بتحقيق الرخاء والنمو، لكنه فشل في توفير مقومات الحياة الكريمة للمواطنين. باتت الحياة اليومية لكثير من الأسر المصرية تعتمد على الكفاف والتدابير البسيطة لتوفير الاحتياجات الأساسية، بينما يلجأ آخرون للتسول كوسيلة أخيرة للبقاء.
وفي ظل غياب أي بوادر لتحسن الأوضاع الاقتصادية، تتزايد المخاوف من أن تستمر المعاناة وتصبح الظروف الحياتية أكثر قسوة، حيث تبدو الأوضاع في مصر اليوم، تحت وطأة سياسات اقتصادية قاسية، وكأنها تزداد سوءًا يومًا بعد يوم.