بقلم : مجدي مغيرة

 

 

هذه العبارة كثيراً ما سمعناها تبريراً لظلمٍ كبيرٍ وقع على أفرادٍ أو جماعاتٍ .

أو عندما صدر قانون يهدم أكثر مما يبني ، ويخرِّبُ أكثر مما يعمِّر ، ويؤخِّر أكثر مما يقدِّم .

كثيرا ما سمعناها عندما اكتشف الناسُ أن مسئولا ما أعطى لنفسه من الامتيازات ما يكفيه لمعاشه بعد خروجه من موقع المسؤولية لمئات من السنين .

كثيرا ما سمعناها تبريرا لاستمرار المسئولين ، بعد هزائم كبرى تستلزم تعليق هؤلاء السادة - وفي مقدمتهم السيد الرئيس - على أعواد المشانق .

كثيرا ما سمعناها بعد تبرئة كبار المفسدين - رغم وضوح الأدلة وكفايتها – أمام منصة القضاء الشامخ .

كثيرا ما سمعناها بعد تلفيق الاتهامات للأبرياء ، والحكم عليهم بأقصى درجات العقوبة ، فضلا عن وجبات التعذيب التي يتلقونها ليل نهار ، فضلا عن سبهم بأحَطِّ الألفاظ وأقذعها ، فضلا عن حرمانهم من أبسط حقوقهم الآدمية .


فإذا تحدثت إلى أحد المصفقين لهذه المظالم ونبَّهتَه إلى أن مرتعَ الظلمِ وخيمٌ على البلاد والعباد ، وأنَّ الظلم مؤذن بخراب العمران كما يقول عالمُنا الكبيرُ ابنُ خلدون ؛ وافقك على كلامك من حيث المبدأ ، ثم أتبعه بـ :{ لكن } ليبين لك أن هذه حالات خاصة ، حتمت الظروفُ والضرورة فعل ذلك معها من أجل الحفاظ على البقية الباقية من البلد .

لم يدر هؤلاء أنهم بذلك لم يخالفوا فقط ما ورد في كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم - ، بل أشاروا من حيث يقصدون أو من حيث لا يقصدون بخطأ تلك المبادئ الواردة في كتاب الله وسنة رسوله.


فبينما يقول القرآن الكريم في محكم آياته من مثل قوله تعالى :

{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } الأنعام (21).

ومن مثل قوله تعالى :

{ فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } يونس (23) .
ومن مثل قوله - صلى الله عليه وسلم – في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم عن جابر بن عبد الله ، وفي رواية أخرى عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم جميعا :
" اتَّقوا الظُّلمَ فإنَّ الظُّلمَ ظلماتٌ يومَ القيامةِ واتَّقوا الشُّحَّ فإنَّ الشُّحَّ أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءَهم واستحلُّوا محارمَهم " .


بينما يقول الكتاب والسنة ذلك ، ردَّ عليك هؤلاء بأن الدنيا مبنية على الظلم ، أو بأنك إن لم تفعل ذلك مع الناس ؛ فعلوا هم ذلك معك .


والعجيب أن ملايين المصريين سافروا إلى جميع أنحاء العالم ، سافروا إلى مختلف دول أوربا ، وإلى أمريكا ، ورأوا بأم أعينهم كيف أن العدل والمساواة ، ورد الحقوق إلى أهلها ، ومحاسبة المخطئ والمفسد جعل هذه البلاد تعيش في أمن وأمان ، وتقدمٍ ورقيٍ ونظامٍ ، وجعل حكامها يمشون في الشوارع بين الناس دون حراسات ، وجعل الناس يحترمون حكامهم ويحبونهم ، ويرفضون أي إساءة إليهم ، فضلا عن التآمر ضدهم .


وتسمع المصريين المهاجرين يحكون ذلك لأقرانهم بعد عودتهم من سفرهم ، ومع ذلك يبرر البعضُ منهم للظلم في بلده ، بل ويقف بجانب الظالم محاربا للمظلوم الذي أراد رفع الظلم عن نفسه .


والأعجب من ذلك أن ملايين المصريين تركوا بلادهم هربا من ظلمها وفقرها ، واتجهوا لبلاد أخرى بحثا عن لقمة العيش فيها ، وللحصول – إن أمكن على جنسية تلك البلاد - ومع ذلك يدافعون عن الظالم ويبررون ظلمه ، ناسين أو متناسين أنهم ضحايا هذا الظلم الذي اضطرهم للهجرة الدائمة أو المؤقتة من بلادهم رغم ما هو معروف عن المصريين منذ القدم لبغضهم للخروج من مصر والانتقال منها إلى أي بلد آخر .


إن تبرير ظلم الظالم ، والاعتقاد باستحالة العيش في ظل العدل لهو مصيبة أكبر من مصيبة الظلم والظالمين .


إن العدل الذي قامت عليه السموات والأرض هو الذي تقوم عليه الدول ، وهو الذي تعيش به الشعوب ،و وهو الذي تقوم عليه المجتمعات ، وهو الذي يوفر الأمن والأمان اللازمَينِ لبناء الدول بناء سليما ، وهو الذي يحمي الدول من الهلاك والفناء .


عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : " اتَّقُوا الظُلمَ ما اسْتَطَعْتُمْ فإنَّ العبدَ يَجِيءُ بِالحَسَناتِ يومَ القيامةِ يرَى أنَّها سَتُنْجِيهِ فما يزالُ عَبْدٌ يَقُومُ يقولُ : يا رَبِّ ظَلَمَنِي عبدُكَ مَظْلَمَةً ، فيقولُ : أتمُوا من حَسَناتِه ، ما يزالُ كذلكَ حتى ما يَبْقَى لهُ حسنةُ مِنَ الذنوبِ " رواه الشوكاني في الفتح الرباني بإسناد حسن .
وعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، فيما روى عن اللهِ تبارك وتعالى أنَّهُ قال " يا عبادي ! إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسي وجعلتُه بينكم محرَّمًا فلا تظَّالموا..." جزء من حديث أخرجه الإمام مسلم .


وروى نفيع بن الحارث الثقفي أبو بكرة قال ، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : " ما مِن ذنبٍ أجدرُ أن يُعجِّلَ اللَّهُ تعالى لصاحبِهِ العُقوبةَ في الدُّنيا معَ ما يدَّخِرُ لَه في الآخرةِ مِثلُ البغيِ وقطيعةِ الرَّحِمِ " صحيح أبي داود .
والبغي هو الظلم بكل درجاته.

 


المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها فقط ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع