وجه الكاتب والباحث في علم الاجتماع السياسي، الدكتور عمار علي حسن، صفعة نقدية قوية لرئيس وزراء حكومة الانقلاب، مصطفى مدبولي، واصفًا تصريحاته الأخيرة حول تشديد العقوبات على "مروجي الشائعات" بدعوى حماية الاستثمار بأنها "أمر مضحك حقًا". جاء هذا الهجوم ليكشف عورة المنطق الحكومي الذي يحاول تعليق فشله الاقتصادي الذريع على شماعة "وسائل التواصل الاجتماعي"، متجاهلاً أن رأس المال يهرب في المقام الأول من غياب الشفافية، وسيادة القمع، واحتكار المعلومات التي تمارسها السلطة نفسها بامتياز.

 

ويأتي حديث "مدبولي" عن "حماية صورة الدولة" كمحاولة بائسة لتكميم ما تبقى من أصوات، في وقت يدرك فيه الجميع –بمن فيهم المستثمرون الأجانب– أن الخطر الحقيقي على الاقتصاد ليس "بوست" على فيسبوك، بل سياسات "العتمة" والديون المتراكمة وسوء الإدارة الذي جعل من مصر بيئة طاردة للاستثمار الحقيقي وجاذبة فقط لصفقات "الاستحواذ" المشبوهة.

 

شماعة "الشائعات".. هروب من الفشل إلى القمع

 

في منشوره المطول، فكك الدكتور عمار علي حسن السردية الحكومية المهترئة، متسائلاً بسخرية لاذعة: "هل تظن السلطة في مصر أن المستثمرين ينتظرون خبرًا أو تعليقًا على وسائل التواصل الاجتماعي كي يقرروا ما إذا كانوا سيضخون أموالهم؟!". هذا التساؤل يعري سذاجة الطرح الرسمي الذي يتعامل مع المستثمر الدولي وكأنه "متابع ساذج" للصفحات، بينما الحقيقة التي يجهلها أو يتجاهلها مدبولي هي أن دوائر المال والأعمال تمتلك أدوات استخباراتية واقتصادية تعرف عن خبايا الاقتصاد المصري أكثر مما يعرفه الخبراء المحليون، بل وأكثر مما تسمح الحكومة لشعبها بمعرفته.

 

إن تهديد "مدبولي" بتغليظ العقوبات ليس حماية للاستثمار، بل هو استكمال لمسلسل "تأميم المجال العام"، حيث تسعى الحكومة لتحويل أي نقد لسياساتها الكارثية إلى تهمة جنائية تحت مسمى "نشر شائعات"، لتغطي بذلك على الانهيار المعيشي وتدهور الخدمات وفشل المشاريع الفنكوشية التي استنزفت المليارات.

 

المستثمر يبحث عن "الحرية" لا "العصا الأمنية"

 

وفي نقد مباشر لفلسفة النظام الاقتصادية، أكد "حسن" أن المستثمر الحقيقي يبحث عن بيئة قانونية مستقرة ومجتمع حر تتوفر فيه المعلومات بشفافية، وليس مجتمعًا يحكمه "الخوف" وتدار فيه البيانات بالأوامر الأمنية. وأشار بوضوح إلى أن من يفضلون العمل في "العتمة" التي تفرضها الحكومة هم فقط "الساعون لصفقات مشبوهة" وليس بناة الاقتصاديات الحقيقية.

 

إن البيئة الطاردة للاستثمار التي صنعها الانقلاب لا يمكن تجميلها بقوانين عقابية، فالمستثمر لا يهرب بسبب "إشاعة"، بل يهرب بسبب غياب المنافسة العادلة، وتغول المؤسسات السيادية على الاقتصاد، وتقلب السياسات النقدية، والبيروقراطية القاتلة. ومحاولة "مدبولي" اختزال كل هذه الكوارث الهيكلية في "منشورات المواطنين" هي استخفاف بالعقول وهروب مفضوح من المسؤولية.

 

حكومة "خارقة للدستور".. تحجب المعلومات وتحاسب الشعب

 

لم يكتفِ عمار علي حسن بتفنيد الحجج الاقتصادية، بل وجه اتهامًا دستوريًا مباشرًا لرئيس الوزراء، مذكرًا إياه بأن "الدستور ينص على معاقبة حضرتك لأنك تحجب المعلومات". فالحكومة التي تتباكى على "الشائعات" هي المتهم الأول بصناعتها، لأنها انتهكت الدستور برفضها إنشاء "مفوضية الشفافية" وإتاحة المعلومات وتداولها، مفضلة العمل في الظلام الدامس.

 

إن غياب الشفافية هو "البيئة الحاضنة" للشائعات، ولو كانت الحكومة صادقة في نواياها لأتاحت الحقائق والأرقام للشعب، وحينها ستخرس الألسنة تلقائيًا. لكن يبدو أن النظام يخشى "الحقيقة" أكثر مما يخشى الشائعة، لأن الحقيقة ستكشف حجم الفساد وسوء التخطيط الذي أوصل البلاد إلى حافة الإفلاس.

 

تفاعل غاضب: الفشل لا يغطيه "تكميم الأفواه"

 

وقد أشعل منشور "حسن" موجة من التفاعل الغاضب على منصات التواصل، حيث أجمع النشطاء والمتابعون على أن لجوء الحكومة للحلول الأمنية في مواجهة الأزمات الاقتصادية هو دليل إفلاس سياسي. وأكدت التعليقات أن تشديد العقوبات لن يعيد الثقة المفقودة بين المواطن وحكومته، ولن يجلب دولارًا واحدًا للاستثمار، بل سيزيد من حالة الاحتقان ويحول مصر إلى "سجن كبير" للصامتين، بينما يستمر قطار الديون والبيع في دهس مقدرات الوطن.

 

الرسالة التي وجهها عمار علي حسن ومن خلفه قطاع عريض من المصريين لـ "مدبولي" واضحة: عالجوا الفساد، وطبقوا الدستور، واكشفوا الحقائق، ووفروا مناخًا حرًا، حينها فقط سيأتي الاستثمار.. أما سياسة "التهديد والوعيد"، فلن تبني اقتصادًا ولن تستر فشلاً.