يشهد السودان واحدة من أكثر المراحل دموية واضطرابا منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع المدعومة من الإمارات في أبريل 2023، حيث تتسارع التطورات الميدانية والإنسانية بوتيرة تنذر بانهيار شامل للمنظومة الأمنية والاقتصادية، مع ازدياد رقعة النزوح وارتفاع أعداد الضحايا المدنيين، خاصة الأطفال.

 

اقتحام هجليج.. ضربة موجعة لقطاع النفط السوداني

 

في تطور بالغ الخطورة، اقتحمت قوات الدعم السريع صباح الاثنين حقل هجليج النفطي بولاية غرب كردفان، وهو أكبر حقول النفط في السودان، فيما انسحب الجيش السوداني وسط اشتباكات عنيفة شهدتها المنطقة المتاخمة لجنوب السودان.

 

وأكد مهندس من داخل الحقل أن القوة المهاجمة فرضت سيطرتها الكاملة على الموقع فجر اليوم، وأجبرت الفنيين على إغلاق محطة المعالجة قبل إجلائهم إلى داخل الأراضي الجنوب سودانية، مما تسبب في شلّ واحد من أهم شرايين الطاقة في البلاد.

 

ويمثل حقل هجليج مركزا أساسيا لضخ النفط القادم من جنوب السودان نحو ميناء بشائر على البحر الأحمر، ما يجعل سقوطه في يد الدعم السريع خطوة تهدد الاستقرار الاقتصادي وتضعف قدرة الحكومة السودانية على إدارة الموارد الحيوية.

 

انسحاب الجيش.. وتبرير بتجنب التدمير

 

مصدر عسكري قال إن انسحاب الجيش جاء "لتجنيب الحقول الخراب"، فيما أكدت مصادر أخرى أن الدعم السريع سبق أن شنت هجمات متتالية بطائرات مُسيّرة على محيط الحقل واللواء 90 مشاة، ما أدى إلى تراجع القوات الحكومية.

 

الهجوم يأتي رغم إعلان الدعم السريع قبل أسبوعين عن هدنة إنسانية لمدة 3 أشهر من طرف واحد، وهي هدنة يرى مراقبون أنها بقيت حبرا على ورق.

 

تقدم للجيش في الجنوب.. واشتباكات لا تهدأ

 

في المقابل، أعلن الجيش السوداني تحقيق تقدم في جنوب كردفان، والسيطرة على مواقع كانت تحت قبضة الدعم السريع في ولايات كردفان الثلاث، بينما تصدت الدفاعات الجوية لهجمات مُسيّرة في مدينة الدمازين بالنيل الأزرق.

 

لكن الدعم السريع اتهم الجيش بقصف معبر أدري الحدودي مع تشاد، مؤكدا أن ذلك يهدف إلى عرقلة دخول المساعدات الإنسانية.

 

كارثة كلوقي.. مجزرة تهز السودان والعالم

 

لا تزال مدينة كلوقي في جنوب كردفان تعيش على وقع مذبحة مروعة، بعد هجوم نفذته مسيّرات الدعم السريع الخميس الماضي على روضة أطفال ثم مستشفى، ما أدى إلى مقتل 114 مدنيا بينهم عشرات الأطفال، وفق حصيلة رسمية ومحلية.

 

المسيّرة–بحسب مسؤولين محليين–عادت لقصف الأهالي أثناء محاولتهم إنقاذ الأطفال من تحت الأنقاض، في مشهد وُصف بأنه "جريمة حرب كاملة الأركان".

 

إدانات محلية ودولية واسعة

 

المنظمات الدولية: اليونيسيف وصفت الهجوم بأنه "انتهاك مروّع لحقوق الطفل".

 

الاتحاد الأوروبي: اعتبر ما جرى "جريمة حرب واضحة".

 

الأمم المتحدة: أكدت أن عدد القتلى يفوق 100، وأعربت عن "صدمتها".

 

الحكومة السودانية: قالت إن الدعم السريع ارتكب "مذبحة مكتملة الأركان".

 

النشطاء السودانيون: تداولوا مقاطع للأطفال لحظات قبل استهدافهم، واعتبروا الحادثة "أسوأ هجوم على المدنيين منذ بدء الحرب".

 

كارثة إنسانية تتسع.. ونزوح يتجاوز الخطوط الحمراء

 

أعلنت منظمة الهجرة الدولية نزوح 450 شخصا في يوم واحد من مدينة كادوقلي وحدها، وسط حصار خانق تفرضه قوات الدعم السريع والحركة الشعبية/الحلو منذ أشهر.

 

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى فرار 41 ألف شخص من ولايتي شمال وجنوب كردفان خلال شهر واحد فقط، بينما تجاوز إجمالي النازحين منذ بدء الحرب حاجز 13 مليون شخص.

 

ممثل اليونيسيف في السودان أكد رسميا حدوث مجاعة في كادوقلي، بينما أفادت تقارير ميدانية بأن الدعم السريع ارتكب مجزرة في مدينة أخرى سقط فيها 114 قتيلا أغلبهم أطفال.

 

انتهاكات جنسية ممنهجة.. و19 حالة اغتصاب موثقة

 

وثقت شبكة أطباء السودان 19 حالة اغتصاب ارتكبها أفراد من الدعم السريع ضد نازحات من الفاشر في مخيم العفّاض بالولاية الشمالية، بينها حالتا حمل.

 

وأكدت الشبكة أن ما يجري "استهداف مباشر للنساء" وأن الصمت الدولي يشجع تكرار هذه الجرائم، مطالبة بتحقيق دولي مستقل.

 

رئيس الوزراء: ما يحدث جرائم حرب ممنهجة

 

رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس وصف قصف الروصيرص وكلوقي بأنه "جرائم حرب مكتملة الأركان"، وطالب المجتمع الدولي بالتدخل ومحاسبة من يقف وراء هذه الهجمات.

 

خريطة السيطرة.. السودان أمام تقسيم فعلي

 

تشير المعطيات الميدانية إلى خريطة معقدة من السيطرة:

 

الدعم السريع يسيطر على ولايات دارفور الخمس بالكامل (باستثناء أجزاء محدودة شمالا).

 

الجيش يحتفظ بالسيطرة على 13 ولاية بينها الخرطوم.

 

معارك ضارية تتواصل في ولايات كردفان الثلاث.

 

سيطرة الدعم السريع مؤخرا على بابنوسة قطعت خطوط إمداد رئيسية للجيش.

 

الجيش استعان بهجمات جوية لاستعادة مواقع في جنوب كردفان مثل تبسة والدامرة والموريب.

 

في شمال دارفور، تعرضت شاحنة تابعة لبرنامج الأغذية العالمي لهجوم، ما أدى لإصابة السائق وتدمير المركبة. ودعَت الولايات المتحدة إلى وقف الأعمال العدائية وتأمين طرق الإغاثة.

 

سيناريوهات قاتمة.. وتحذيرات دولية من "الفاشر جديدة"

 

يزداد القلق الدولي من تكرار سيناريو مدينة الفاشر–التي شهدت أسوأ جرائم الحرب–في مدن كردفان، مع غياب أي أفق للحل، وإصرار كل طرف على الحسم الميداني.

 

وتصف الأمم المتحدة الأزمة السودانية بأنها "أسوأ كارثة إنسانية في العالم" حاليا، مع استمرار الحرب وغياب أي اتفاق لوقف إطلاق النار.