تستعد اللجنة الدولية لكسر الحصار الإسرائيلي عن غزة لإطلاق أسطول بحري جديد باتجاه القطاع في أبريل القادم، في خطوة تعيد قضية الحصار إلى واجهة الاهتمام الدولي، بعد شهور من الهجوم الإسرائيلي على عشرات السفن في البحر المتوسط واعتقال مئات النشطاء. التحرك الجديد، الذي يجري الإعداد له من العاصمة الإيرلندية دبلن، يأتي في سياق تصاعد التضامن العالمي مع غزة، في ظل حصار مستمر منذ أكثر من 18 عامًا، وحرب مدمّرة أودت بحياة عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وسط استمرار القيود الإسرائيلية على دخول الغذاء والدواء رغم اتفاق وقف إطلاق النار.
اجتماعات دبلن: تنسيق دولي لكسر العزلة
أعلنت اللجنة الدولية عبر منصة “فيسبوك” أن اجتماع تحالف “أسطول الحرية” يتواصل في دبلن بمشاركة ممثلين عن منظمات ولجان كسر الحصار من مختلف دول العالم، بهدف التخطيط لسلسلة من الفعاليات التضامنية الدولية. ويشارك في الاجتماع، إلى جانب تحالف أسطول الحرية، ممثلون عن “أسطول الصمود العالمي” ومبادرة “ألف مادلين”، في إشارة إلى اتساع دائرة الفاعلين المستعدين لخوض مواجهة سياسية وقانونية وإنسانية مع سياسة الحصار الإسرائيلية.
يعكس اختيار دبلن، عاصمة دولة أوروبية أبدت خلال السنوات الماضية مواقف أكثر نقدًا للسياسات الإسرائيلية مقارنة بعواصم أخرى، محاولة من منظمي الأسطول لاستثمار المساحة السياسية المتاحة في أوروبا لبناء تحالفات أوسع مع برلمانيين وأحزاب ومؤسسات مجتمع مدني، ولدفع دول غربية إلى اتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه استمرار الحصار.
أسطول بعد هجوم.. رسالة رفض للخضوع
يأتي هذا التحرك بعد أشهر قليلة من هجوم الجيش الإسرائيلي، في أكتوبر الماضي، على عشرات السفن التابعة لـ“أسطول الحرية” في المياه الدولية بالبحر المتوسط، حيث استولى عليها واعتقل مئات النشطاء من جنسيات مختلفة، قبل أن يفرج عنهم لاحقًا. وقد كشف هؤلاء النشطاء، بعد خروجهم، عن تعرّضهم لـ“تعذيب” وسوء معاملة خلال الاحتجاز، في انتهاك واضح لقواعد القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان.
إصرار النشطاء والمنظمات المشاركة على تجهيز أسطول جديد، بعد هذه التجربة القاسية، يحمل رسالة سياسية واضحة مفادها أن محاولات التخويف والقمع لن توقف الجهود المدنية السلمية الرامية إلى كسر الحصار، وأن حرية الملاحة في المياه الدولية وحق الشعوب في الحياة الكريمة لا ينبغي أن يخضعا لإرادة القوة العسكرية الإسرائيلية أو لحسابات الصمت الدولي.
تحرك سلمي في مواجهة حصار مستمر
أكدت اللجنة الدولية أن الاستعدادات جارية “على قدم وساق” لتجهيز عدد كبير من السفن التي ستبحر نحو غزة ابتداء من أبريل، في إطار “تحرك تضامني دولي سلمي” ضد الحصار والاحتلال الإسرائيلي و“جرائمه المستمرة بحق أهلنا في غزة وعموم فلسطين”. وشددت اللجنة على أن “التضامن العالمي مع غزة وكل فلسطين مطلوب الآن أكثر من أي وقت مضى”، في ظل الكارثة الإنسانية التي يعيشها القطاع.
تأسست اللجنة الدولية لكسر الحصار عن غزة عام 2009 بمبادرة من نشطاء فلسطينيين وبرلمانيين دوليين، وتهدف إلى حشد المجتمع الدولي لإنهاء الحصار عبر أدوات قانونية ودبلوماسية وتحركات شعبية سلمية. ويتوزع نشاطها بين دول عربية وإسلامية وعدد من الدول الأوروبية، حيث تنظم حملات توعية وضغط، إلى جانب التحركات البحرية التي تحظى بتغطية إعلامية واسعة.
حرب مدمّرة وحصار خانق رغم وقف إطلاق النار
منذ 8 أكتوبر 2023، تشن إسرائيل حربًا على قطاع غزة بدعم أمريكي، أسفرت خلال عامين عن مقتل أكثر من 70 ألف فلسطيني وإصابة 171 ألفًا، معظمهم من الأطفال والنساء، بحسب وزارة الصحة في غزة. ورغم دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 10 أكتوبر الماضي، تواصل إسرائيل خرقه يوميًا، ما تسبب في مقتل 373 فلسطينيًا وإصابة 970 آخرين حتى الأحد، وفق المعطيات ذاتها.
على الأرض، يستمر الحصار عمليًا عبر منع دخول كميات كافية من الغذاء والدواء والوقود، ما يدفع نحو تفاقم المجاعة والأوبئة في قطاع يعيش فيه 2.4 مليون فلسطيني في ظروف إنسانية توصف بأنها “كارثية”. بهذا المعنى، لا يمثل الأسطول الجديد مجرد مبادرة رمزية، بل محاولة عملية للضغط من أجل فتح ممرات آمنة للمواد الإغاثية، وكسر حالة “التطبيع الدولي” مع حصار طال أمده منذ عام 2007.
بين ضغط الشارع وتقاعس الحكومات
يرى متابعون أن تحركات مثل أسطول الحرية وأساطيل التضامن القادمة تعكس فجوة متزايدة بين مواقف الشارع العالمي، الذي يبدي تعاطفًا متصاعدًا مع الفلسطينيين، وبين مواقف حكومات غربية تستمر في توفير الغطاء السياسي والعسكري لإسرائيل رغم حجم الجرائم الموثقة في غزة. فبينما تتزايد الوقفات الاحتجاجية وحملات المقاطعة والضغوط الشعبية على البرلمانات، لا تزال القرارات الملزمة لوقف الحصار أو تقييد السلاح عن إسرائيل غائبة إلى حد كبير.
بهذا السياق، يراهن منظمو الأسطول الجديد على تراكم هذه المبادرات الشعبية السلمية، وعلى قدرتها مع الوقت على تحويل كسر حصار غزة من قضية إنسانية هامشية إلى اختبار حقيقي لمصداقية النظام الدولي، وقوانينه التي يُفترض أن تحمي المدنيين وتحاسب من يحاصرهم ويجوّعهم ويقصفهم بلا عقاب.

