أثار إقرار البرلمان، الاثنين الماضي، مادة في قانون الإجراءات الجنائية الجديد، تتعلق بمنح النيابة العامة سلطة إصدار أوامر بضبط أو مراقبة أو الاطلاع على وسائل الاتصال، ومنها الحسابات على “السوشيال ميديا” أو البريد الإلكتروني، أو الهواتف المحمولة، جدلًا واسعًا بين المواطنين، تخوفًا من حدوث انتهاكات لخصوصية الأفراد وحدود السلطات.
ويتضمن نص المادة 79 التي أقرها مجلس النواب الإجراءات التالية:
- ضبط جميع الخطابات والرسائل والبرقيات والجرائد والمطبوعات والطرود.
- مراقبة الاتصالات السلكية واللاسلكية.
- الاطلاع على حسابات مواقع التواصل الاجتماعي ومحتوياتها المختلفة التي لا تكون متاحة للجميع.
- فحص البريد الإلكتروني والرسائل النصية أو الصوتية أو المصورة على الهواتف أو الأجهزة التقنية الأخرى.
- إجراء تسجيلات لأحاديث خاصة جرت في أماكن مغلقة إذا كانت مفيدة في كشف الحقيقة.
"واعتبر المحامي الحقوقي نبيه الجنادي أن هذا الأمر يمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان.
وبموجب المادة الجديدة، وهي رقم 79 من مشروع قانون الإجراءات الجنائية، يمكن للنيابة العامة، بعد إذن من القاضي الجزئي، مراقبة المكالمات، والرسائل، وحسابات التواصل الاجتماعي.
ورغم تطمينات بأن الإذن محدود بمدة 30 يومًا، قابلة للتجديد، يعترض حقوقيون على صياغة المادة التي قد تؤدي إلى مراقبة طويلة، دون مبرر واضح، على حد تعبير المحامي عاطف عبد المعز، مشيرًا إلى أن النص يفتح الباب لتمديدات غير محدودة.
وأضاف عبد المعز “يمكن أن تكون حياة إنسان تحت المراقبة الكاملة دون تحقيق أو اتهام فعلي أو محاكمة حقيقية”، محذرًا من خطورة التوسع في النصوص المقيدة للحريات، خاصة أن “وسائل التواصل الاجتماعي باتت المتنفس الوحيد للمصريين حاليًا”، وفقًا لـ"الجزيرة مباشر".
“الخصوصية حق دستوري”
ورأى عبد المعز أن انتهاك الخصوصية ليس له أي مبرر إلا في حالات يجيزها القاضي، وليست النيابة العامة، مشددًا على أن “الخصوصية حق دستوري”.
وينص الدستور في المادة 57 على أن “لحياة المواطنين الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تُمس. وللمراسلات البريدية والبرقية والإلكترونية والمحادثات الهاتفية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محدودة، وفي الأحوال التي يبينها القانون”.
وأوضح عبد المعز أن المادة 79 تفتح الباب لما يسميه “تغول” سلطات النيابة على حساب القاضي. لكن رئيس مجلس النواب حنفي الجبالي حاول في بيان أصدره تهدئة تلك المخاوف.
ملاحقة النشطاء المعارضين
ومصر من الدول التي تُلاحق النشطاء المعارضين بمحاولات مراقبة اتصالاتهم واستهداف أجهزتهم الإلكترونية.
في عام 2021، كُشف عن استهداف السياسي المعارض أيمن نور، المقيم خارج مصر، ببرنامج التجسس "بريداتور"، مما أثار ضجة دولية حول استخدام أدوات التجسس لاستهداف الأصوات المعارضة، وفقًا لموقع "الحرة".
وفي سبتمبر 2023، كشف باحثون في مختبر "سيتيزن لاب" الكندي عن اختراق هاتف النائب أحمد الطنطاوي. هذا الإعلان تزامن مع إعلان الطنطاوي نيته الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة لمنافسة قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي.
لكن مسار الطنطاوي السياسي شهد منعطفًا حادًا لاحقًا، حيث أودع السجن بعد إدانته بارتكاب مخالفات مزعومة أثناء الحملة الانتخابية، في خطوة أثارت مزيدًا من الجدل حول مستقبل الحريات السياسية في البلاد.
تشديد القيود
وقال المحامي والحقوقي خالد علي في صفحته على فيسبوك إن المادة 116 من قانون الإجراءات الجنائية تشدد القيود الواردة في المادة 79 لتجديد مُدد الرقابة دون الرجوع إلى القضاء.
وأضاف “كنا نطالب بأن تخضع هذه الإجراءات الاستثنائية لرقابة القضاء دون إطلاق يد النيابة فيها، وبدلًا من الاستجابة لمطالب التعديل تم النص عليها”.
يشار إلى أن السماح للنيابة العامة بمراقبة الاتصالات ليس أمرًا جديدًا في القانون المصري، إذ كان قانون الإجراءات الجنائية يتيح ذلك بتجديد المراقبة لمدة 30 يومًا أو مُدد مماثلة، إلا أن طلب بعض نواب البرلمان ونقابة المحامين تقييد تجديد المراقبة قوبل بالرفض، حسب بيان للنائب فريدي البياضي الذي قال معلقًا “هكذا المواطن متهم حتى تثبت براءته”.
وعلّق صانع المحتوى يوسف حمدي على القانون الجديد بقوله “القانون القديم كان مرعبًا والجديد أشد رعبًا”، مشيرًا إلى أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في الفترة المقبلة أو صناعة أي محتوى سيكون تجربة محفوفة بالمخاطر.
وخلافًا لذلك، ذكرت لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب في بيان أن “أمن المجتمع أهم من كل شيء، ومصر ليست الدولة الوحيدة التي تراقب الاتصالات للحفاظ على الأمن القومي”.
وشددت اللجنة البرلمانية على أن “المراقبة تتم بإذن قضائي مسبب، ولمدة محددة، ولا تُستخدم إلا في جرائم تتطلب عقوبات جادة”. وأضافت في بيانها “الهدف ليس انتهاكًا للخصوصية، بل توفير أدوات فعالة لمكافحة الجرائم”.
أما وزير العدل عدنان فنجري فقد أشاد في تصريح للصحفيين بما استحدثه القانون لأول مرة في التاريخ القضائي “بضرورة تسبيب النيابة العامة الأمر الصادر بالقبض على المتهم حيث إنه لم يكن مُلزما في السابق”.
هل تحمل جاسوسًا في جيبك؟
ومع تصاعد الجدل، قال الخبير التقني بالهيئة القومية للاتصالات مجدي الهنداوي إن الخصوصية لم يعد لها وجود تقريبًا.
وأضاف أن التطبيقات الحديثة تحوّل الهاتف إلى “جاسوس صغير” في جيب كل مواطن، لافتًا إلى أن التنصت على الاتصالات بات أمرًا شائعًا في الكثير من دول العالم من الشركات والحكومات على حد سواء دون الحاجة إلى تشديد القوانين، على حد تعبيره.
كما رأى أن تنصت الحكومات له ما يبرره “إذا كان مقتصرًا على مقتضيات الأمن والعدالة وفي حدود القانون”.
وأكد الخبير التقني تطور أدوات مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي، بما يسمح للسلطات بالبحث عن أي محتوى ترى فيه تهديدًا للأمن والوصول إلى أصحابه حتى في حالة وجود حسابات مزيفة.
وأشار إلى تمكين السلطات الأمنية من الدخول على شبكات الاتصالات بهدف حماية الأمن القومي، مؤكدًا أن ذلك يحدث تحت مظلة الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات. وأوضح أن القوانين تلزم شركات الاتصالات العاملة في مصر بوضع أجهزة توفر عمليات التتبع والخدمات الأمنية.