د. علي الحمادي

خبير التطوير الإداري- الإمارات

أثبت الباحث بيتر بلانك وأقرانه أن هيئة المحلفين في كاليفورنيا قد أصدروا حكما مرتين  (في عام 1985) بإدانة بعض المتهمين أثناء محاكمتهم عندما أدلى القضاة (الذين كانوا يتسمون بالعنف والشدة والصرامة) بمعلوماتهم إلى هيئة المحلفين عن هؤلاء المتهين وعن الجرائم التي سبق إدانتهم بها، فنبرات صوتهم الحادة صورت هؤلاء المتهمين في أبشع صورهم، الأمر الذي أثر  تأثيرًا بالغًا في هيئة المحلفين وجعلهم يصدرون حكمًا بإدانتهم.

إن صوتك هو أداة التعبير عن شخصيتك، فإذا كان صوتك يتسم بالقوة ويعبر عن الثقة بالنفس ستجد الآخرين يعدونك شخصًا قويًا ونشطًا وواثقًا من ذاتك، أما إذا كان صوتك ضعيفًا ومتخاذلًا فستجد الآخرين يعدونك شخصًا ضعيفًا وجبانًا، وإذا كان صوتك حادًا وقويًا فمن المحتمل أن يعاملك الناس بنفس الطريقة.

إن صوتك هو الذي يعبر عن انفعالك، هادئًا أو متوتِّرًا، هذا بالإضافة إلى أنه يعبر عن حالتك العاطفية والنفسية.

لقد أتقن رسول الله صلى الله عليه وسلم التعامل مع أدائه الصوتي، إذْ كانت الكلمات تخرج واضحة من فمه الطاهر، وكان إذا خطب علا صوته (حماسة وقوةً)، وكان يُسمع من حوله، ولا يصرخ في غير حاجة، وكان يتفاعل مع الكلمة ويؤثر فيمن حوله حتى يبكيهم من شدة التأثر.

فعن أنس رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط، فقال: " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا، فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم خنين ". (متفق عليه)

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع صوته إن احتيج إلى ذلك، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ورأى الصحابة يتوضأون، ومنهم من يقصِّر في غسل الرِّجْلين إلى الكعبين، فنادى بأعلى صوته " ويل للأعقاب من النار " مرتين أو ثلاثًا. (رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما)

وصدق شوقي حينما مدح النبي صلى الله عليه وسلم فقال:

وإذا خطبت فللمنابر هـزة                تعرو الندي وللقلوب بكاء

ويحسن بمن يود استثمار الأداء الصوتي لإقناع الآخرين أن يتفهم العناصر الثلاثة الرئيسة للصوت وهي:

1)    طبقة الصوت (Pitch): وهي تردد ذبذبات الحبال الصوتية، أي مدى حدة الصوت، أو بعبارة أخرى: موقع الصوت في السلم الموسيقي. ولكل فرد طبقة صوت عادية (Habitual Pitch) يتحـدث بهـا في أغلـب الأوقات، وطبقـة صـوت قصوى (Optimum Pitch) يتحدث بها عندما يرفع صوته إلى أقصى درجات سلّمة الصوتي. وعندما يتحدث الفرد أمام الجمهور فإن طبقة صوته ترتفع أكثر من العادة، ذلك لأن الصوت يستجيب للحالة العاطفية للإنسان ويرتفع إذا تعرض للضغط.

2)    سرعة الصوت (Rate): وهي سرعة نطق الكلمات، وهي تختلف باختلاف المادة الملقاة، فالموضوعات الجادة والصعبة تتطلب (في الغالب) سرعة بطيئة بعكس الموضوعات الخفيفة والسهلة، كما أنها تختلف من شخص لآخر، وذلك حسب خبرته وتجربته ومدى تمكنه من الموضوع وتحضيره له.

3)    حجم الصوت (Volume): وهو درجة ارتفاع الصوت أو انخفاضه (Loudness).

 

6 وصايا مؤثرة

وحتى يساعد صوتك على إقناع الآخرين والتأثير فيهم فعليك بالانتباه إلى الوصايا الـ 6 التالية:

 

1 - لا تجعل نبرات صوتك (Pitch) حادة عنيفة

إن الصوت المعتدل يفرض التأثير والسيطرة على الآخري، وإنه لمن العسير أن نقتنع ببراعة وتوفيق خطيب  يتسم  بذلك الصوت الحاد المرتفع العنيف.

لقد تلقى الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش تدريبات صوتية بعد أن باء بالفشل في انتخابات الرئاسة لعام 1988 من جَرَّاء صوته العالي والحاد والعنيف.

وبالمثل تلقت رئيسة وزراء بريطانيا الأسبق مارجريت تاتشر دروسًا لتخفض من نبرات صوتها العالية والحادة، سعيًا لفرض نفوذها على نحو أفضل.

إن على المتكلم أن يختار الطبقة الصوتية المريحة له والمناسبة لأدائه، ولكن عليه أن يتخلص من الطبقة الصوتية الشاذة والعنيفة والحادة لأنها طبقة مزعجة منفرة للآخرين.

كما أن تغيير هذا النوع من الطبقات الصوتية ليس بالأمر المستحيل وإنما يحتاج إلى تدريب واستعانة ببعض المتخصصين في علم الأصوات.

 

2 - نوِّع سرعة  أدائك الصوتي (Rate) لكي تجذب انتباه المستمعين

يحاول الخطباء البارعون في فن إقناع الآخرين أن يغيروا من سرعة (Rate) أدائهم الصوتي، وذلك للتأثير في نفوس المستمعين، فإذا شاهدت خطيبًا ضليعًا في فن إقناع الآخرين فستجده إما أنه يسرع في حديثه ليثير المستمعين ويملأ قلوبهم حماسة، أو أنه يُبَطِّيء منه ليهيء المستمع للتأمل في كلامه وتدبر معانيه.

أما إذا تحدثت ببطء شديد فإن ذلك مدعاة للظن بأنك متضجر أو منهك أو بارد أو ليس لديك إحساس بالوقت أو أنك غير بارع في حديثه.

 إن الخطيب البارع هو الذي يدرك تمامًا القضية التي يناقشها، ويعرف كافة جوانبها، ويتحدث بطلاقة، في حين أن الشخص الذي يجهل بعض جوانب قضيته فسيتحدث ببطء تلقائيًا.

لقد أوضحت الدراسات أن المستمعين يفضلون المتكلم الذي يتحدث بطلاقة وسرعة على ذلك الذي يتحدث ببطء، وأن الأداء الأمثل هو الإبطاء بالقدر الذي يتابع عليه، ولكن بسرعة كافية للاستمتاع بحديثه.

إن معدل سرعة الكلام للغالبية العظمى من الناس هي (120) إلى (180) كلمة في الدقيقة، إلا أنه لا يوجد مستوى مثالي لسرعة الكلام، وقد تختلف سرعة الكلام لدى كثير من الخطباء البارعين في فن إقناع الآخرين اختلافًا كبيرًا.

فمثلًا: تحدث فرانكلين روزفلت بمعدل (110) كلمة في الدقيقة الواحدة، وتحدث الرئيس كينيدي بمعدل (180) كلمة في الدقيقة، إلا أنه تحدث في إحدى خطبه بمعدل (327) كلمة في الدقيقة.

وقد بدأ مارتن لوثر كينج خطبته التي هي بعنوان " أملي المنشود " بمعدل (92) كلمة في الدقيقة، وكان معدل سرعة كلامه في نهايتها (145) كلمة في الدقيقة، فالجدير بالذكر هنا أن المعدل المثالي يعتمد أساسًا على طبيعة المتحدث ورسالته.

 

3 - تحكم في ارتفاع وانخفاض نبرات صوتك (Volume).

ينبغي أن يكون صوتك واضحًا ومسموعًا بدرجة كافية، وذلك لكي يحدث كلامك تأثيرًا بالغًا في نفوس المستمعين، كما وينبغي ألا يكون صوتك شديد الارتفاع وصاخبًا، وذلك حتى لا يبعث مشاعر الغضب والضيق في نفوسهم، وكذلك ألا يكون ضعيفًا لدرجة تجعلهم عاجزين عن متابعة حديثك، فالصوت الضعيف يعبر (في كثير من الأحيان) عن مشاعر الخوف ويوحي بالذل والخضوع.

لذا ينبغي عليك أن تغير من نبرة صوتك، وأن تعلو بها عند بعض الكلمات أو العبارات الهامـة، أما إذا أردت  أن تصور للمشاهدين مشهدًا حيًا  فاخفض من صوتك، لأن ذلك من شأنه أن يحدث تأثيرًا أبلغ من الصوت المرتفع.

ويمكن أن يلجأ المتكلم إلى الهمس المسموع  ليؤكد على أهمية بعض المقاطع. إن هذا التنوع الصوتي يفيد كثيرًا في المحافظة على انتباه الجمهور وتعميق فهمه وزيادة قناعته.

إن على المتكلم الذي يود إقناع الآخرين بكلامه وأفكاره أن يستجيب لجمهوره ومحيطه الاتصالي بدرجة صوت مناسبة، تنفذ إلى أسماع الجمهور ولكن لا تزعجهم.

وتساعد التغذية الراجعة من الجمهور على تعديل حجم الصوت، كما يقوم الخطيب برفع وخفض صوته حسب الألفاظ والكلمات والمعاني، فمثلًا: تأمل معي ما قاله الشاعر الهندي محمد إقبال رحمه الله حين جاء إلى الجزيرة العربية، حيث قال:

أرى التفكيـر أدركـه خمول             ولم تبـق العزائم  فـي  اشتعال

إنه يمكنك أن تخفض صوتك عند ذكر الشطر الأول من البيت (أرى التفكير أدركه خمول) في حين يمكنك رفع صوتك عند ذكر الشطر الثاني من البيت (ولم تبق العزائم في اشتعال).

إن تغير مستوى الصوت يعني ارتفاع وانخفاض الصوت أثناء الحديث، كما أن تغير مستوى صوت المتحدث يدفعنا إلى أن نؤيد أو نرفض كلامه وقناعاته وأفكاره.

تأمل معي العبارة التالية: " إنني لم أقل إني سرقت النقود"، فإذا قرأتها  ورفعت نبرة صوتك عند كلمة " لم أقل " فهذا يعني أنك سرقت النقود ولكن لم تقل ذلك، أما إذا رفعت نبرة صوتك عند كلمة " إنني " فهذا يعني أنك تعرف من الذي قام بالسرقة، وإذا رفعت نبرة صوتك عند كلمة " النقود " فهذا يعني أنك سرقت شيئًا  آخر غير النقود.

 

4 - اجعل مشاعرك منسجمة مع أدائك الصوتي

وبمعنى آخر لا بد أن تعيش الكلمات التي تتكلم بها وتكون صادقًا معها، ويظهر ذلك على أدائك الصوتي، لذا لا يليق بك أن تضحك وتقهقه وينتشي صوتك وأنت تقرأ قوله تعالى: " وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد. سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار. ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب " (إبراهيم، الآيات: 49-51).

كما لا يليق بك أن تصرخ وأنت تقرأ قوله تعالى: " قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم" (الزمر، الآية: 53).

وفي المقابل لا يليق أن تجهش في البكاء وينكسر صوتك وأنت تذكر نوادر جحا وطرائف الجاحظ ومقالب الطفيليين.

 

5 - حاول أن تلفظ كلماتك بوضوح

ينبغي عليك أن تلفظ كلماتك وعباراتك بوضوح ودقة تامة، وأن تخرج الحروف من مخارجها، ولا تبلع أواخر الكلمات، لأن ذلك يدل على البراعة الفائقة والثقة في الذات، ويدفع المستمعين لأن يتابعوا حديثك ويصغوا إليه باهتمام بالغ.

فما لم تكن كلماتك وعباراتك واضحة ومسموعة بدرجة كافية فلن يتفاعل المستمعون مع كلامك، كما ودل ذلك على ضعف ثقافتك، أو عكس مشاعر الخمول والكسل، أو أوحى بتوترك وانفعالك، ومن شأن ذلك أن يعجز المستمعين عن فهم كلامك.

يقول الله تعالى: " وما على الرسول إلا البلاغ المبين " (النور، الآية: 54)، أي البلاغ الواضح الذي لا لبس فيه ولا غموض.

 

6 - نظِّم التوقف بين الكلمات لتولد التأثير

يعمد الخطباء البارعون في فن إقناع الآخرين إلى الوقفات القصيرة لجذب انتباه المستمعين، فمثلًا: العبارة الشهيرة التي قالها الرئيس كينيدي أثناء انتخابه، عندما خاطب شعبه قائلًا: " ينبغي ألا تفكروا فيما يمكن أن يقدمه لكم وطنكم... ولكن فكروا فيما ينبغي أن تقدموه له ". لقد أحدثت هذه العبارة تأثيرًا أبلغ عندما توقف في وسطها، أما لو نطق تلك العبارة بدون ذلك التوقف القصير فستفقد تأثيرها في النفس.

ويمكن أن تلفت الوقفات القصيرة بين الكلمات انتباه المستمعين إلى النقاط الهامة، كأنك تريد أن تقول لهم: " استمعوا إلى تلك العبارة جيدًا ".

ويعتمد عمق تأثير التوقف على تخير الوقت المناسب له، وإليك إحدى العبارات التي ذكرها محام أمام هيئة المحلفين حيث قال: " لقد كانت عربة النقل تسير... بسرعة (70) ميلًا في الساعة عندما صدمت الفتاة ".

إن التوقف الطويل في تلك العبارة قبل كلمة (بسرعة) يلفت انتباه المستمعين إلى معرفة سرعة عربة النقل، أما إذا أراد المحامي أن يؤكد لهيئة المحلفين أن ثمة فتاة كانـت ضحيـة تلك  الحادثة،  فسينطق العبارة هكذا: " لقد كانت سرعة عربة النقل (70) ميلًا في الساعة عندما صدمت...الفتاة "، أي بأن يجعل التوقف قبل كلمة (الفتاة).

فالجدير بالذكر هنا أنه ينبغي أن تتوقف قليلًا قبل أن تتلفظ بكلمة تريد أن تجتذب انتباه المستمعين إليها، إلا أن كثيرًا من الخطباء لا يستطيعون إثارة انتباه المستمعين نظرًا لأن وقفاتهم تكون قصيرة جدًا أو ربما لا يتوقفون أثناء الكلام.

إننا ننصحك بأن تقوم بالعد: واحد.. اثنان.. ثلاثة.. أربعة.. عندما تتوقف، مع ضرورة التأكد من قابلية التجاوب بالعين أثناء ذلك.

..............................................................

المرجع:

(1) هاري ميلز، فن الإقناع – كيف تسترعي انتباه الآخرين وتغير آراءهم وتؤثر عليهم، مكتبة جرير، الرياض، 2004، ص 71- 75.

(2) أحمد بن رشيد بن سعيد، فن الكلام - مدخل إلى الاتصال العام، دار جبل الشيخ للإعلام والنشر، الرياض، 1418، ص 74 – 75.