في وقت يتصاعد فيه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتستمر إسرائيل في تنفيذ عمليات عسكرية خلفت آلاف الضحايا من المدنيين الفلسطينيين، تتجه الأنظار إلى التحالفات السياسية والاقتصادية التي تتشكل في المنطقة، حيث تبرز العلاقة الاقتصادية المتنامية بين الإمارات العربية والاحتلال الإسرائيلي. ورغم الدعوات العربية المتزايدة لمقاطعة إسرائيل، تواصل الإمارات تعزيز علاقاتها التجارية مع تل أبيب، وهو ما يعكس أهمية المصالح الاقتصادية في سياسات الدول وتوجهاتها.

تنامي العلاقات الاقتصادية رغم العزلة الإقليمية
منذ توقيع اتفاقية التطبيع بين الإمارات وإسرائيل في عام 2020 كجزء من "اتفاقيات أبراهام"، شهدت العلاقات الاقتصادية بين الجانبين نموًا متسارعًا. وقد توقعت تقارير حديثة، من بينها تقرير نشره موقع "المونيتور" الأميركي، أن تصل قيمة التجارة الثنائية بين الإمارات وإسرائيل إلى 3.3 مليارات دولار بحلول عام 2024. يأتي ذلك على الرغم من التصعيد الجاري في غزة، والموقف العربي الرافض لتطبيع العلاقات مع إسرائيل وسط مشاهد الحرب الدامية التي تتوالى يوميًا.

ورغم أن العديد من الدول العربية شهدت موجة من الغضب الشعبي تجاه العلاقات مع إسرائيل، بما في ذلك دعوات لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية، يبدو أن العلاقات الاقتصادية بين الإمارات وإسرائيل تسير في اتجاه معاكس. فقد توسعت التجارة الثنائية في قطاعات متعددة تشمل التكنولوجيا، السياحة، الزراعة، وتجارة الماس.

تفاصيل التعاون الاقتصادي بين الإمارات وإسرائيل
وفقاً للمصدر الدبلوماسي الإسرائيلي الذي تحدث لموقع "المونيتور"، يُتوقع أن تحقق التجارة بين إسرائيل والإمارات زيادة بنسبة 12% هذا العام إذا استمرت العلاقات التجارية على نفس الوتيرة. وقد بلغ حجم التجارة بين البلدين خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2024 حوالي 1.922 مليار دولار، متضمنة صادرات سلع بقيمة 1.473 مليار دولار، وتجارة ماس بقيمة 448.8 مليون دولار، وهو ما يجعل الإمارات سوقًا مهمة لإسرائيل.

ورغم أن التعاون في مجالات التكنولوجيا والأمن السيبراني لم يُدرج بشكل مباشر في هذه الأرقام، إلا أن المصدر أشار إلى أن هذه القطاعات تشكل 48% من صادرات إسرائيل إلى الإمارات و52% من وارداتها، مما يبرز أهمية التكنولوجيا كعنصر أساسي في العلاقة الاقتصادية المتنامية بين البلدين.

اتفاقية التجارة الحرة: محفز للشراكة الاقتصادية
في مارس 2023، وقعت إسرائيل والإمارات اتفاقية تجارة حرة ألغت بموجبها التعريفات الجمركية على حوالي 96% من السلع المتبادلة بين الطرفين. وتعد هذه الاتفاقية جزءًا من الجهود المستمرة لتعزيز التعاون الاقتصادي بين الدولتين، حيث تسعى الإمارات إلى توسيع نطاق استثماراتها في إسرائيل، التي تُعرف بأنها من أكبر الأسواق التقنية المتقدمة في العالم.

ومن المتوقع أن تسهم هذه الاتفاقية في تسهيل حركة التجارة بين الجانبين وتوسيع نطاق الاستثمارات المشتركة، لا سيما في مجالات الزراعة المستدامة والطاقة المتجددة والتكنولوجيا المتقدمة.

التحديات السياسية: الغضب العربي وتأثيره على العلاقات
على الرغم من النجاح الذي حققته الإمارات وإسرائيل في تطوير علاقاتهما الاقتصادية، لا يمكن تجاهل التحديات السياسية المتزايدة التي تواجه هذه العلاقة. فمع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، تصاعدت الانتقادات على مستوى العالم العربي، حيث نظمت حملات مقاطعة واسعة للمنتجات الإسرائيلية، وزادت الضغوط الشعبية على الحكومات التي تطبع العلاقات مع إسرائيل.

وتعد الإمارات من بين الدول التي واجهت هذه الضغوط، إلا أنها تمضي قدمًا في تعزيز شراكاتها الاقتصادية مع إسرائيل، كما يتضح من تصريحات الخبراء والمسؤولين. يقول كريستيان أولريخسن، الباحث في معهد بيكر للسياسات العامة بجامعة رايس/هيوستن-تكساس: "الأرقام الأخيرة أظهرت أن التجارة صمدت في مواجهة 7 أكتوبر وكل ما تلاها"، في إشارة إلى تصاعد التوترات في المنطقة بعد اندلاع الحرب الأخيرة على غزة.

تجارة في الظل: أساليب التحايل على الضغط الشعبي
في ظل هذه الأجواء المتوترة، بدأت الشركات الإسرائيلية والإماراتية باتباع أساليب جديدة لتجنب التدقيق الشعبي والسياسي. وفقًا لرافائيل ناجل، رجل الأعمال اليهودي الألماني الذي يرأس "دائرة الأعمال الإبراهيمية" في الإمارات، لجأت الشركات الإسرائيلية إلى استخدام مكاتب بديلة في أوروبا لتصدير منتجاتها إلى الإمارات، حيث تتم إعادة تصنيف المنتجات لتبدو وكأنها مصنوعة في دول أوروبية مثل ألمانيا أو إسبانيا، بهدف تجاوز الرقابة العامة وتفادي الانتقادات.

وأوضح ناجل أن التجارة بين الطرفين مستمرة بشكل جيد، ولكن بأساليب أكثر تحفظًا وسرية، مشيرًا إلى أن الشركات الإسرائيلية تسعى للحفاظ على علاقاتها التجارية مع الإمارات دون التعرض لضغوط جماهيرية.
فرص اقتصادية جديدة: استثمار في القطاعات غير التقليدية
إلى جانب التجارة التقليدية في السلع والتكنولوجيا، تعمل الإمارات وإسرائيل على تعزيز التعاون في قطاعات جديدة ومتنوعة. ومن بين هذه القطاعات، تبرز التكنولوجيا الزراعية، التي تهدف إلى تطوير حلول زراعية مستدامة تناسب البيئة الصحراوية في كلا البلدين. وتشير تقارير إلى وجود خطط لإنشاء مشاريع مشتركة في هذا المجال، بما في ذلك بناء مزارع ذكية ومنشآت لتحسين كفاءة استخدام المياه.

بالإضافة إلى ذلك، تستمر الإمارات في تقديم تسهيلات للجالية اليهودية المتنامية في البلاد، بما في ذلك الفنادق والمطاعم التي تقدم الطعام الكوشر. ووفقًا لرافائيل ناجل، هناك خطط لإنشاء فندق كوشير ضخم في دبي بتكلفة تصل إلى 50 مليون دولار، وهو جزء من المشاريع المشتركة التي تعزز الشراكة الاقتصادية بين الإمارات وإسرائيل.

تداعيات المستقبل: العلاقة بين الاقتصاد والسياسة
في خضم التوترات الإقليمية، تبقى العلاقات الاقتصادية بين الإمارات وإسرائيل أحد العوامل الحاسمة في تحديد مستقبل هذه الشراكة. ورغم الضغوط السياسية والشعبية المتزايدة، يبدو أن الإمارات مصممة على الحفاظ على علاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل، مستندة في ذلك إلى المصالح الاقتصادية المتبادلة.

ومع التوقعات بزيادة حجم التجارة الثنائية خلال السنوات المقبلة، يبدو أن التحالف الإماراتي الإسرائيلي سيستمر في النمو، حتى وإن كانت العلاقات السياسية تشهد بعض التوترات. ويؤكد الخبراء أن الاقتصاد غالبًا ما يكون في معزل عن تأثيرات الأزمات السياسية والحروب، وهو ما يفسر استمرار التعاون بين البلدين رغم كل التحديات.

الخاتمة: الاقتصاد كدافع رئيسي للعلاقات الإماراتية الإسرائيلية
في الوقت الذي تتعرض فيه العلاقات بين إسرائيل والإمارات لاختبار صعب بسبب الوضع المتفجر في غزة، يظل التعاون الاقتصادي بين البلدين واحدًا من المحركات الأساسية التي تدفع العلاقات إلى الأمام. وبينما تواجه الحكومات والشركات في البلدين ضغوطًا متزايدة من جماهير غاضبة ومنظمات مقاطعة، يبدو أن المصالح الاقتصادية ستبقى العامل الحاسم في تحديد مسار هذه العلاقات على المدى الطويل.