بقلم - شرين عرفة :

حدثونا عن الحق ، رغبونا في الجهاد ، فحينما بدأت المعركة ،سمعنا أصواتهم من داخل الجحور تدعوننا للإستسلام .

لذلك قالوا : "يعرف الرجال بالحق ، ولا يعرف الحق بالرجال" .

من يرى إنتفاضة الشعوب العربية والإسلامية وثوراتها على حكام فسقة وأمراء ظلمة أنها فتنة ..ألا في الفتنة سقطوا .

الحاكم لدى الشريعة الإسلامية أجيراً عند الأمة يسعى لرعاية مصالحها وتأمين إحتياجاتها ، لا سيفاً مسلطاً على رقاب رعيته .

ولا ولاية في الإسلام لظالم .
قال تعالى في سورة البقرة (َ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ )(124)
وهو نص صريح أتى بإنتقاض عهد الظالم ، فلا حقَّ له ، ولا طاعة لأمره .

ومن عجائب هذه الآية أن بعض الناس قد رأوا إشكالاً نحويًا فيها ، وذلك أن قوله تعالى: {لا ينال عهدي الظالمين} جاء فيه الفاعل {الظالمين} منصوباً، وكان المتبادر أن يقال: (لا ينال عهدي الظالمون)
وقد قرأها معظم القراء بنصب {الظالمين} بالياء !!
فهي  جملة مؤلفة من فعل وفاعل ومفعول به؛ أما الفعل فقوله تعالى: {ينال}، و {عهدي} هي الفاعل، والمفعول به {الظالمين}  جمع مذكر سالم منصوب بالياء ،
ولأن الفعل (نال) يجوز أن يكون فاعله مفعولاً، ويجوز أن يكون مفعوله فاعلاً ؛ فأنت تقول: نال الطالبُ الجائزةَ، ويجوز لك أن تقول: نالت الجائزةُ الطالبَ؛ لأن ما نالك فقد نلته أنت. 

لذا فمجيء الآية على هذا التركيب يفيد معنى غاية في الإبداع ، وهو أن الظالمين ولو اتخذوا الأسباب التي توصلهم إلى نيل العهد، فإن عهد الله وميثاقه شرف يأبى بنفسه أن يذهب لظالم .

"ينصب نفسه رئيسا ، وينفق الملايين ، فلا ينال سوى أحط الألقاب ، ولا يعترف به سوى العبيد "

وبالرغم من أن الآية الكريمة واردة بصيغة الإخبار إلا أن المقصود بها هو الأمر، أمر الله عباده، أن لا يولوا أمور الدين والدنيا ظالماً.

فالذي اغتصب السلطة و إنقلب على حاكم جاء بإرادة الشعب، ثم سجنه وقام بالتنكيل به وبكل من يعارضه ،وأقام لهم المذابح ، وقتل وإعتقال الآلاف، وأحرق الجثث ، و أغلق المساجد وأحرق بعضها ، ومنع شعائر الله ، وحارب العلماء ورجال الدين ،وكمم الأفواه ، وحارب المسلمين وناصر الأعداء ، وحاصر أهل غزة وشارك في العدوان عليهم ، وحول جيش مصر لمرتزقة يقاتلون الثوار ويقفون بجانب الطغاة .
من لا يرون هذا ظالما يجب الخروح عليه والثورة ضده، فقد أعمى الله بصيرتهم وكره انبعاثهم فثبطهم .

"من ينظر للشمس ثم ينكر وجودها ، هو أعمى القلب وليس البصر ، فالمكفوف يشعر بضوئها، ويتألم من حرارتها" .

* كثيرة هي الأحاديث التي حذّرت من أئمة الجور ، والضلالة ، وأنَّ شرَّهم على المسلمين عظيم ،
عن ثوبان رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم : ( وإنما أخاف على أمتي الأئمّة المضلين ) رواه الترمذي .

ومن يحرمون الخروج على الحاكم الظالم ، ويحرمون مجاهدته، أين هم من قوله تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُون)َ 39)
( وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيل)ٍ (41){ سورة الشورى}

وهذه الآيات ، وغيرها في القرآن ، دلالتها عامّـة ، فتشمل بغـي السلطة وغيرها ، فكلُّ من بغى على المسلمين ، يجب مجاهدته ، والمقصود هنا بالجهاد هو بذل كل جهد من أجل رفع الظلم ، سواء كان الظالم مسلما أو كافرا .

والدليل على أنّ هذه الآيات تشمل ظلم السلطة حديث ابن مسعود ، قال صلى الله عليه وسلم : ( ما من نبي بعثه الله قبلي إلاّ كان له من أمته حواريون ، وأصحاب يأخذون بسنته ، ويقتدون بأمره ، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف ، يقولون مالا يفعلون ، ويفعلون ما لا يؤمرون ، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل ) رواه مسلم .

وكذلك حديث ابن مسعود رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( سيلي أموركم بعدي رجال يطفئون السنّة ، ويعملون بالبدعة ، ويؤخّرون الصلاة عن مواقيتها ، فقلت : يارسول الله إن أدركتهم كيف أفعل ؟ قال : تسألني يا ابن أمّ عبد ماذا تفعل ؟ لا طاعـة لمن عصى الله ) رواه أحمد ، وابن ماجه .

وأخيرا فقد نبهنا الفاروق عمر بن الخطاب وحذر الأمة من ثلاث
فقال رضي الله عنه لزياد بن حديـر : ( هل تعرف ما يهدم الإسلام ، قال زياد : لا ،
قال : يهدمه زلة عالم ، وجدال منافق بالقرآن ، وحكم الأئمة المضلين ) رواه الدارمي .

فما أكثرها اليوم : زلات علمائنا وجدال منافقينا وحكامنا المضلين .

"نتبع منهجا ولا نتبع أشخاصا ، وليس من أحد أعز علينا من الحق "

من ينزل من بيته ثائرا مسالما ،لا يملك سوى كلمة الحق ،يعلنها في وجه منقلب ظالم ،يعلم أنه قد يقتل أو يسحل أو يعتقل ، ثم يتوجه بنيته تجاه أشخاص أو جماعات ، فقد ضحى بنفسه بلا ثمن ،و لا تحتاجه ثورتنا.

ومن كان نيته إرضاء الله وإقامة العدل وبناء الأوطان ، فقد فاز بإحدى الحسنيين : وطن أو شهادة ،وهو الفائز في كل حال .

*الثورة ستنتصر بنا أو بغيرنا ...ونحن إن لم ننتصر بها،لن ننتصر بغيرها .