في مشهد يعكس عمق الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي، تحولت ساحة الأسرى في تل أبيب مساء السبت 11 أكتوبر 2025، من موقع للاحتفاء باتفاق وقف إطلاق النار وعودة الرهائن، إلى ساحة مواجهة سياسية بين مؤيدي ومعارضي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
فبينما دوّت الهتافات بالشكر للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، قوبل اسم نتنياهو بصيحات استهجان مدوية من عشرات الآلاف الذين احتشدوا في المكان.
 

احتفال تحوّل إلى احتجاج
كانت الساحة – التي أصبحت رمزًا لمعاناة أهالي المحتجزين في غزة – قد امتلأت بآلاف الإسرائيليين الذين جاؤوا للاستماع إلى المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، صهر ومستشار الرئيس ترامب، واللذين لعبا دورًا محوريًا في التوصل إلى الاتفاق الأخير.

بدأ الحدث بخطابات احتفالية، حيث أشاد كوشنر بترامب وويتكوف لدورهما في المفاوضات، قائلاً إن “قلبه لم يكن كاملًا منذ 7 أكتوبر 2023”، معربًا عن سعادته بأن عائلات الرهائن ستحصل أخيرًا على “الخاتمة التي تستحقها لإنهاء هذا الكابوس”.
كما ألقت إيفانكا ترامب كلمة قصيرة نقلت فيها رسالة من والدها للحشود، قالت فيها: “إنه يراكم، ويسمعكم، ويقف معكم دائمًا”، لتتعالى بعدها الهتافات المتكررة: “شكرًا ترامب”.

لكن الأجواء الاحتفالية سرعان ما انقلبت إلى توتر سياسي حين اعتلى ويتكوف المنصة محاولًا توجيه الشكر لنتنياهو وفريقه التفاوضي.
فما إن نطق اسم رئيس الوزراء حتى تفجرت الساحة بصيحات استهجان قاطعت كلمته مرارًا، في مشهد أربك المبعوث الأمريكي الذي حاول تهدئة الحشود بقوله: “يا رفاق، دعوني أكمل فكرتي”، دون جدوى.

وفي المقابل، كان ذكر اسم ترامب كفيلًا بإشعال موجات متجددة من التصفيق والتهليل.


 


جذور الغضب الشعبي
تُعزى موجة الغضب ضد نتنياهو إلى تراكم السخط الشعبي منذ هجوم 7 أكتوبر 2023، حيث يحمّله قطاع واسع من الإسرائيليين مسؤولية الإخفاقات الأمنية التي سمحت بوقوع الهجوم. كما يتهمه منتقدوه بأنه أطال أمد الحرب لأهداف سياسية شخصية، ولم يمنح الأولوية لإعادة الرهائن، بل وعرقل مبادرات سابقة كانت قد تفضي إلى إنهاء معاناتهم في وقت أبكر.
وتُعد “ساحة الأسرى” منذ عامين نقطة تجمع أسبوعية للمظاهرات المناهضة لنتنياهو، إذ يشارك فيها عادة ناشطون من يسار الوسط ومعارضون تقليديون لحكومته. واللافت أن نتنياهو لم يزر الساحة أو يخاطب المحتجين فيها منذ بدء تلك التحركات.
 

تداعيات سياسية وانقسام متصاعد
أحدثت الواقعة عاصفة من ردود الفعل في الأوساط السياسية الإسرائيلية. فسارع مقربون من نتنياهو إلى الدفاع عنه، حيث وصف وزير العدل ياريف ليفين ما جرى بأنه “وصمة عار وعرض مخزٍ لنكران الجميل تجاه رئيس الوزراء”، فيما اعتبر وزير التعليم يوآف كيش أن المحتجين “يمثلون هامشًا متطرفًا لا يعبر عن غالبية الإسرائيليين”.
أما حزب الليكود فاتهم المتظاهرين بأنهم “يصفرون ضد الحقيقة”، مشددًا على أن “إصرار وشجاعة نتنياهو” كانا السبب في عودة الرهائن.
في المقابل، صدرت مواقف أكثر اتزانًا من أطراف المعارضة. فقد قال بيني غانتس إن إطلاق صيحات الاستهجان أمام مبعوث أمريكي “لم يكن تصرفًا حكيمًا”، رغم تأكيده تفهم غضب المحتجين. كما نقلت القناة 12 الإسرائيلية عن بعض عائلات الرهائن استياءهم من المشهد، معتبرين أنه “لم يكن لائقًا” في لحظة كان يفترض أن توحّد الإسرائيليين.
 

مشهد يعكس الانقسام العميق
تكشف هذه الواقعة عن عمق الشرخ السياسي والمجتمعي في إسرائيل، حتى في لحظة يفترض أن تسودها الوحدة بعد إطلاق سراح الرهائن. فبين هتافات الشكر لترامب وصيحات الغضب ضد نتنياهو، بدا واضحًا أن اتفاق وقف إطلاق النار لم ينجح في تهدئة جبهة الانقسام الداخلي، بل ربما فتح فصلًا جديدًا من الصراع على الرواية والإنجاز.