بقلم : حسن القباني
يصر الدكتور خليل العناني على تأكيد محنته المعلوماتية والبحثية عن جماعة الإخوان المسلمين في مقالاته الاخيرة ذات الصلة بتحليل الجماعة ، وآخرها مقاله " تحولات الحراك الاخواني في مصر" ، وقد يكون لديه العذر لأسباب عدة منها عمله بالخارج والمناخ القمعي الحالي ، ولكن اصراره علي تكرار نفس التخمينات والهواجس في كل مقال ، يضع علامات استفهام كبيرة حول أسباب الشيخوخة المبكرة لتحليلاته عن الجماعة ، لأننا نحتاج عقله وقلمه في زمن العربي الجديد !
بداية من عنوان المقال ، يختصر العناني المشهد الثوري في الإخوان لتأكيد ثنائية الصراع المزعومة "عسكر- اخوان" متجاهلا أنها غضبة شعب تتقدم يوميا وتتسع ابعاد المشاركة فيها ، في مواجهة عسكر فاشلين وخونة وكاذبين وقتلة ، ومتناسيا أن قوي ثورية اخري بعضها شارك في سهرة 30 يونيو لها مشاركة في صناعة المشهد الثوري – بنسبة ما - كحركة 6 ابريل والاشتراكيين الثوريين واحرار وآخرين ، فضلا عن أن تحالف دعم الشرعية به قوي ذات ثقل ميداني وجماهيري متنوع ، فضلا كذلك عن أن الحراك الطلابي – وهو رأس حربة قوية للثورة – به تنوعات عدة فضلا عن الحراك النقابي والفئوي والعمالي ، ما يعني أن اختصار المشهد في الاخوان مع تقديرنا لنضالهم وتواجدهم الصلب القوي هو تقليل من الزخم الثوري وسقطة بحثية معلوماتية واضحة لدي العناني .
لقد سقط العناني في بئر سحيق من التضليل في سطوره الاولى للأسف ، عندما قال ان لجماعة الاخوان المسلمين هدفين رئيسين منهما استعادة السلطة ، بجانب اسقاط الانقلاب العسكري، وهو توصيف غير دقيق لا يليق باكاديمي مثله ، فالاخوان يهدفون الي اسقاط الانقلاب واستعادة ثورة 25 يناير ومكتسباتها وفي مقدمتها "الادراة الشعبية /الشرعية الدستورية / المسار الديمقراطي" – قل ما شئت - وتحقيق اهداف الثورة وآمال الشعب من عيش وقصاص وحرية وكرامة وعدالة اجتماعية ، وقد شرح الاخوان ذلك الامر مئات المرات ، ولكن العناني يسوق صورة ذهنية مشوهة تدور حول نفس مضامين الانقلاب القميئة" مرسي /الكرسي ، الاخوان / السلطة " وكأنها ليست سلطة شعب مسلوبة بالاكراه وكأن استعادة المسار الديمقراطي جريمة نكراء! ، وكأن الشرعية كمبدأ ديمقراطي لا كشخص من الطبيعي الاختلاف حوله ، يجب تفجيرها في كل مقالاته.
زعم العناني مع تقدم سطوره أن الحراك الثوري لم يحقق طيلة عام ويزيد أي شيء ، بالمخالفة لمقاله " متي يأخذ الاخوان خطوة للخلف؟"، وبالمخالفة للواقع الثوري ، وقد اقترحنا عليه في ردنا على ذلك المقال وقتها قراءة دراسة المفكر القبطي الدكتور رفيق حبيب "هزائم الانقلاب انتصار للثوار" ومقالنا "ماذا حققت الثورة ضد الانقلاب؟"، ولكن يبدو أن المحنة المعلوماتية والبحثية مسيطرة عليه دون جدوي أو اجتهاد لتمرير ذات الأفكار واثبات ذات الهواجس، وهو أمر مثير للاستغراب.
لقد نجح الحراك الثوري – وفي القلب منه الاخوان – في تثوير المجتمع واستقطاب عدد كبير منه تحت شعارات عدة ووسائل عدة للانضمام للثورة ضد الانقلاب ، وكسبت معركة الوعي ضد خطر حكم العسكر جولات تلو جولات ، وانتصرت معركة الحقوق في محطات تلو محطات ، وازدادت القاعدة الصلبة لثورة 25 يناير في انتظار لحظة البركان والمحطة النهائية ، ولكن من يجلس في الخارج ولايرى الا ربع المشهد ويستعذب تقزيم كل الصورة الذهنية الثورية ولا يقدم أي رؤية أو خطة لانقاذ ثورة 25 يناير ولو حتي من باب تخصصه السياسي ، فالالاف من علامات التعجب في انتظاره حتي الحصول علي اجابة واضحة لاسباب محنته.
العناني أكد في مقاله نفس الازمة النفسية التي ظهرت بوضوح من قضية المظلومية واحساس الجميع فيها بمصر خاصة من جماعة الاخوان المسلمين ، وراح يفلسف لتمزيقها وشيطنتها ، ويضرب فيها بعنف ، وقد يكون له مبررا في ذلك أنه لم يفقد حبيبا أو صديقا أو زوجة أو طفلا في محرقة رابعة والنهضة واخواتهما ، فالاحساس بالألم والوجع والمحنة بات روحا جماعية في مصر تحت سياط القهر وفقد الحق في الحياة والتعبير عن الرأي ولقمة العيش ومئات الحقوق الاخري ، وهذا لا ينافي تواجد روح المقاومة والصمود في قلب الحراك ، والاثنان جناحان لأي حراك ثوري ضد الظلم في أي مكان في العالم، ومفهومان انسانيان طبيعيان لا يثير كل هذه الحنق المتكرر في مقالات الرجل .
إن المراجعة المستمرة سواء داخل الاخوان او القوي الثورية الاخري فرض الوقت ، ونظن أن تمسك الاخوان علي وجه التحديد بالمسار الثوري هو مراجعة تنفيذية علي أرض الواقع وليست كلامية في فضاء الحروف فحسب لما سبق ولما آلت اليه الآحوال ، ويجب ان تستمر المراجعة في كل مكان وكل وقت دون تخوين أو تشويه طالما تستند الي منطلقات سليمة وبدايات صحيحة، ولكن العناني نظرا للمحنة المعلوماتية كرر معاني قديمة لديه عن الاخوان والثوار ، بل لجأ للتعميم في استنتاج قيام الاخوان بخطاب عدائي ضد رفقاء الدرب الثوري في حزب الوسط بعد خروجه من العمل في اطار التحالف وهو استنتاج معيب وغير صحيح فروح الاحترام والوضوح كان السائدة ولا يعني تدوينة لشاب هنا او هناك أن الخطاب قد تغير، وهنا يجب أن نسأل : هل هذا "أسفين"؟!
ومع استمرار المحنة المعلوماتية والبحثية انتقل الكاتب الى نقطة أخطر، وهي نقطة الحراك الثوري وتحولاته ، حيث سار في درب التخمينات والهواجس ، وخلط بين غضبة شعب لايرى عدالة ولا قصاص ولاحقوق وبين حراك ثوري له استراتيجيته واهدافه وميادينه، ولم يكيل للانقلاب ومجرميه بنفس القدر من التعامل اللفظي الخشن الذي توجه به الي الثوار والأهالي الغاضبة .
إن الحراك الثوري في مصر قابض علي السلمية كخيار استراتيجي ولكن قابض ايضا علي حق الدفاع عن النفس في مواجهة البغي والعدوان والمقاومة الشعبية المستمرة حتي الانتصار ، والحراك ليس تنظيما والثورة ليست بالريموت كنترول ، تستطيع فيهما التحكم في كل مخرجات الغضب لكل الناس في نفس الوقت ، ولذلك تتحمل سلطات الانقلاب العسكري انفجار بركان الغضب الشعبي بصور خشنة في ظل جرائم الاغتصاب والاعدام في الشوراع والغباء منقطع النظير وغيرهم من الجرائم النكراء .
إن الثورة باتت في حيرة من أمرها ، فعندما تتقدم ينال منها دون وعي ، وعندما تتحرك في مكانها تغتال ، وان قصة د.خليل العناني مع الاخوان باتت محيرة كذلك ، ونظن أنه بحاجة الي وقت اضافي ومقابلات ميدانية وحديث مع الشباب وعموم الثوار لصناعة صور ذهنية بديلة عن التي صنعها بعد 11 فبراير 2011 حتى 3 يوليو 2013 ، فالمياه جرت وغيرت والمجرى يتجدد كل يوم والثورة مستمرة برؤية مبصرة ، وميدان التحليل وضبط بوصلة الحراك يحتاج امثال د.خليل العناني بشرط التحديث والوقوف على الحد الأدنى من المعلومات الدقيقة .
----------------
*منسق حركة صحفيون من أجل الإصلاح