بقلم - عبدالعزيز مجاور
 
هل وصلت الأزمة المصرية إلى ذروتها حتى يمكن توقع انحسارها وانفراجها؟ وهل تجدي المبادرات العديدة التي تم طرحها في حل الأزمة؟ وهل هي مبادرات أم مناورات لكسب الوقت وكسر التحالف المقاوم للانقلاب؟ وما هي الأطراف الفاعلة التي يمكن أن تقبل أو ترفض تلك المبادرات؟ 
أسئلة عديدة يتم طرحها في ظل الانسداد السياسي الواقع في مصر منذ انقلاب يوليو 2013، ومن الممكن توقع الإجابة عليها إذا تم مناقشة بعض الافتراضات التي يضعها الكاتب كمحاولة للفهم، وهي كما يلي: 
 
أن من كان سبباً في الأزمة لن يكون طرفاً في حلها في وقت ما، خاصة وقد تلوثت يداه بدماء المصريين ومازال مصراً على اتباع سياسة الإبادة والقتل، واستخدام حيل الخمسينات والستينات من تفجيرات متفرقة والتضحية بدماء الجنود والضباط في عمليات مخابراتية فاشلة تظهر عليها بصمات الانقلابيين، فلا وجود لقائد الانقلاب في أي عملية مصالحة حقيقية.
 
إن المبادرات الحقيقية والتي تهدف لحل الأزمة لن يتم الإعلان عنها في الصحف والمجلات، ولن يتم مناقشتها في الفضائيات، وما يطلق من مبادرات والتي بلغت نحو عشر مبادرات خلال عام من الانقلاب، أغلبها بالونات اختبار، وكثير منها محاولات يائسة من الانقلابيين لشق صف الثوار كما حدث في سجون عبدالناصر في الستينات، فيما يسمى (فتنة التأييد) حيث تم خداع البعض بأن الخروج من المعتقل متوقف على كتابة تأييد لعبدالناصر.
 
أن عصبة الشر المكونة من رؤوس الانقلاب المتمثل في المجلس العسكري ما هم إلا بيادق شطرنج لا حول لها ولا قوة ولا تملك من أمرها شيئاً، وسينتهي أمرها عندما يضحي بها اللاعب الخارجي من أجل الفوز بالمباراة أو الخروج منها بأقل الخسائر الممكنة.
 
المبادرات التي تم طرحها والتي سوف يتم طرحها في المستقبل تتناسب طردياً مع الزخم الثوري في الشارع، فكلما زادت الثورية زاد الحرص على تقديم مبادرات وسيلهث العسكر وراء الثوار بالمبادرات الخادعة وكان الوصول لحل الأزمة أسرع، وكلما انخفض الزخم الثوري فلن يقبل العسكر بأقل من دماء الثوار وإقصاء أي معارض من المشهد، كما أن استمرار الثوار في الشارع لا يضغط على الانقلابيين فقط بل يمثل ضغطاً حقيقياً على الداعمين ولربما من يملكون خيوط اللعبة. 
 
العالم الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية هو طرف فاعل في المعادلة و إن كان لا يملك كل الخيوط، فلولا دعمه ما استمر العسكر في الحكم يوماً واحداً، وهذا الطرف من مصلحته استمرار حالة عدم الاستقرار في مصر بشرط عدم خروج الحالة عن السيطرة، وذلك بوجود هامش ضئيل من الديمقراطية لا يسمح بوجود دولة قوية وفي نفس الوقت لا يتسبب في حالة يئس من السلمية ويؤدي لتطور الحالة الثورية المقاومة للانقلاب بصورة تهدد مصالحهم، مما يؤكد على أن الطرف الأقوى هو الشعب الثائر.
 
أن الغرب بدأ يشعر بتهديد مصالحة من خلال فشل قيادة الانقلاب في إدارة معركة غزة مما تسبب في تكبد العدو الصهيوني بخسائر كبيرة على غير رغبة الغرب، وبدأ الخوف من ظهور دواعش جديدة لا يمكن السيطرة عليها في منطقة تتصف بالأهمية ولقد كان تصريح رئيس الوزراء البريطاني في معرض حديثه عن سوريا بأن (المنظمات الإرهابية تزدهر حيث يوجد مؤسسات سياسية ضعيفة وغير مستقرة).
 
توجد معضلة حقيقية لدى الغرب تكمن في أنهم أمام بديلين احلاهما مر، إما مواصلة دعم الانقلاب بالمال والأباتشي وغيرهما فيصاب بالداعشية الحقيقية في منطقة لا تحتمل ذلك وتهدد وجود الصهاينة، أو التخلي عن الانقلاب وعندها ستتنامى الحركة الإسلامية الغير مرغوب فيها غربياً والتي تهدد أيضاً وجود إسرائيل في المدى البعيد، وحل هذه المعضلة في ظل حراك شعبي مستمر سيكون هو الحل المتوقع للأزمة المصرية.
 
إن الحل في نهاية المطاف سيكون بالاختفاء القسري لرؤوس الانقلاب وعلى رأسهم مجرم الحرب الذي قاد عملية المحرقة، وهذا الاختفاء بأشكاله الممكنة ليس مستحيلاً بل ممكناً ومتوقعاً، وسيكون من السهولة بمكان فور اقتناع من بيده الريموت أن رهانه على الوقت لتثبيت قدم الانقلابيين قد يسبب له كوارث حقيقية في عقر داره ويهدد مصالحه كما حدث في التعامل الفاشل مع قضية غزة، فيرفع عنه الغطاء ويجبره على وجود تسوية سياسية.
 
إن صحت الافتراضات السابقة فالشعب الثائر هو من بيده القرار وسيجبر الدول الداعمة لرفع الغطاء عن الانقلابيين بعد التأكد من فشله، فسقوط الانقلاب قد اقترب وسيذكر التاريخ هذا الانقلاب كنموذج للانقلابات الفاشلة التي سقطت بسبب صمود الشعب واستمراره في المقاومة رغم التضحيات التي قدمها.