بقلم: لاكى كوفى
ترجمة: أحمد سامى
فى أواخر العام 1979 أرسل الاتحاد السوفيتى "السابق" المئات من الخبراء العسكريين إلى أفغانستان, وفى بداية العام 1980 أصبح للاتحاد السوفيتى "السابق" مئات الآلاف من الجنود بأفغانستان والذين انخرطوا فى حرب أسفرت عن هزيمة مريرة للروس كانت أحد أهم الأسباب التى أدت إلى انهيار ما كان يُعرف باتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية.
والآن فإن روسيا لديها أيضاً المئات من الخبراء العسكريين على الأراضى السورية فضلاً عن السفن الحربية الروسية التى انتشرت بكثافة فى الموانئ السورية على ساحل البحر المتوسط, كما تم رصد العديد من المقاتلات والمروحيات الروسية فى القواعد الجوية التابعة لنظام الأسد, كما تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعى مؤخراً لقطات لجنود روس يتجولون فى سوريا وهناك تقارير تشير إلى اعتزام موسكو إنشاء قاعدة عسكرية ضخمة على الأراضى السورية.
وحتى اللحظة لا توجد إحصاءات دقيقة حول عدد القوات الروسية المتواجدة على الأراضى السورية ولا حول مدى تورُط تِلك القوات فى المعارك الدائرة بين قوات بشار الأسد وفصائل الثوار, وعلى أية حال فإن الأيام القادمة ستكشف عن حجم القوات الروسية التى أتت لدعم بشار الأسد.
لماذا دفعت موسكو بقواتها إلى سوريا؟
عندما صرح الرئيس الأمريكى "باراك أوباما" بأن بشار الأسد عليه أن يرحل عن سُدة الحُكم فى سوريا فإن أوباما لم يفعل شيئاً على الأرض يدعُم تلك التصريحات, وعلى النقيض من ذلك فإن الرئيس الروسى "فلاديمير بوتين" عندما صرح بأن على بشار الأسد أن يبقى فى السلطة فقد فعل الرجُل الكثير من أجل دعم تصريحاته بأفعال ملموسة لدعم نظام الأسد, وبمعنى آخر فإن تخاذُل "أوباما" فى مواجهة نظام بشار الأسد وكذا وقوف "بوتين" موقف الدعم والمساندة لهذا النظام أدى بنا إلى الموقف السياسى والعسكرى الذى نراه حالياً فى سوريا.
والمعروف أن الهدف النهائى للتدخل الروسى فى سوريا يبقى منحصراً فى الحفاظ على نظام بشار الأسد بأى ثمن, وما يؤرق موسكو هو أن انهيار نظام الأسد سوف يؤدى إلى أن تفقد روسيا القاعدة العسكرية الوحيدة التى تملكها فى البحر المتوسط والتى تقع فى مدينة "طرطوس" الساحلية مما يُمثِل ضربة موجعة للتواجد العسكرى الروسى فى المنطقة.
وعلى الرغم من ذلك فإن "بوتين" نفسه يعلم أنه حتى لو استمر "بشار الأسد" على رأس النظام فى سوريا فإنه لن يستطيع أبداً السيطرة على كامل التراب السورى كما كان الحال قُبيل اندلاع الثورة السورية فى العام 2011, بناء عليه فإن "بوتين" يحاول تدعيم مدينة "اللاذقية" معقل بشار الأسد بالرجال والسلاح لحماية تلك المدينة التى تعتبر خط الدفاع الأخير للنظام السورى فى مواجهة الثوار فضلاً عن أن مدينة "اللاذقية" تعتبر من أكبر القواعد العسكرية الروسية فى البحر المتوسط.
والحقيقة أن منطقة الشرق الأوسط تعتبر بالنسبة للرئيس الروسى بيئة صالحة لتقليص النفوذ السياسى للقوى الغربية على المستوى الدولى, ومن أجل تحقيق ذلك الغرض فإن "بوتين" لا يهتم إن احترقت منطقة الشرق الأوسط بالكامل أو لقى الآلاف من المدنيين حتفهم, فبالنسبة لبوتين تعتبر منطقة الشرق الأوسط لاعباً مهماً فى الصراع السياسى الدائر بين روسيا والولايات المتحدة, كما أن احتفاظ موسكو بقواعد عسكرية فى شرق البحر المتوسط يعتبر من أهم أولويات السياسة الخارجية الروسية, وبالنسبة لبشار الأسد فإنه يحلو له لعب دور المضيف للتواجد الروسى فى المنطقة.
ويجب علينا أيضاً ألا ننسى أن إيران تلعب الدور الأساسى فى دعم ومساندة نظام بشار الأسد, ذلك الدعم الذى يتنوع بين إرسال المقاتلين والعتاد إلى الجهود الاستخباراتية ودعم عناصر حزب الله التى تقاتل إلى جانب بشار الأسد, والفرق بين سياسة كل من طهران وموسكو فيما يخص الأزمة السورية أن طهران تجد وكيلاً للمحاربة عنها فى سوريا يتمثل فى حزب الله, أما موسكو فلديها القوة العسكرية التى تؤهلها للتدخل المباشر إلى جانب نظام الأسد فى الحرب الدائرة حالياً, فضلاً عن أن موسكو تملك حق النقض "فيتو" فى مجلس الأمن الدولى مما يُمكِنُها من إجهاض أية قرارات داخل المجلس تُفضي إلى رحيل نظام الأسد.
الفعل الروسى ورد الفعل الغربى:
يعتقد الرئيس الأمريكى "باراك أوباما" أنه لا فرق بين القول والفعل, أى أنه يعتقد أنه إذا قام بإلقاء خطاب يهاجم فيه نظام الأسد فإنه بذلك يقوم بتنفيذ تلك السياسة فى الواقع, وتلك تعتبر نقطة الاختلاف الرئيسية بين "اوباما" الذى يتكلم كثيراً وبين "بوتين" الذى يستعيض عن الكلام بالأفعال, كما أن السياسة الروسية تجاه الأزمة السورية دائماً ما تتسم بالفعل بينما تتسم السياسة الغربية تجاه القضية ذاتها برد الفعل.
وهناك عدة قضايا لو بحثناها بدقة يتضح لنا أن موسكو ملتزمة بتحقيق أهدافها بدقة فى مواجهة سياسة غربية تتسم بالتردد وذلك هو ما دفع بالروس إلى التدخل عسكرياً فى شرق أوكرانيا وكذا دعم إيران خلال الصفقة النووية مع القوى الغربية وأخيراً إرسال قوات للقتال إلى جانب بشار الأسد.
وطالما لم تكن هناك سياسة غربية موحدة تجاه القضايا الساخنة على مستوى العالم, وطالما استمر الخلاف بين واشنطن وأوربا حول قضايا عدة, وطالما لم تكن هناك أهداف غربية واضحة واستراتيجية محددة لتحقيق تلك الأهداف على صعيد السياسة الدولية, ستظل موسكو تٌهدِد المصالح الغربية فى عدة مناطق من العالم منها أوكرانيا وسوريا.
والتجربة الروسية فى سوريا تظل مؤشراتها تدل على أنها ستكون أصعب وأخطر من تلك التجربة التى خاضها الروس فى أفغانستان والتى تمت بشكل تدريجى عكس تجربة التدخل الحالية فى سوريا التى تمت على عجل من إرسال المقاتلين والعتاد الحربى إلى إرسال السفن الحربية إلى شرق المتوسط إلى نشر المقاتلات والمروحيات الروسية فى القواعد الجوية التى لا يزال بشار الأسد يُحكِم قبضته عليها.
وسنظل فترة طويلة نتسائل عن عدد الجنود الروس الذين سيُضحِى بهم "بوتين" أو كم من المال سيُنفِق "بوتين" فى سبيل إنقاذ حليفه بشار الأسد وكذا الحفاظ على القواعد العسكرية الروسية فى شرق البحر المتوسط, ولكننا على يقين أن روسيا تلعب لعبة دموية فى سوريا وأن تبعات تلك اللعبة ستكون أشد وأخطر من تبعات التدخل السوفيتى فى أفغانستان خلال مطلع الثمانينات من القرن الماضى.
المصدر: شبكة الجزيرة الإنجليزية