في تقرير صادم نشرته الخبيرة في التخطيط الاستراتيجي والاقتصاد والتسويق الدولي د. سالي صلاح عبر منصات التواصل الاجتماعي، قدّمت تقييماً شاملاً للوضع الاقتصادي والسياسي في مصر نهاية عام 2025. أوضحت فيه بالأرقام أن الدولة تواجه ما وصفته بـ"الحلقة المميتة" من الديون وبيع الأصول، مؤكدة أن الاقتصاد المصري بات عاجزاً عن توليد الثروة أو حماية السيادة المالية، وأن استمرار النهج الحالي من القروض والخصخصة لن يؤدي إلا إلى مزيد من التدهور.

 

وذهبت أبعد من ذلك بالحديث عن ضرورة "تغيير سياسي جذري" لإعادة بناء العقد الاجتماعي، بما يضع الاقتصاد في خدمة المواطن لا في خدمة الدائنين.

 

السيطرة على القرار والاقتصاد: بين الداخل والخارج

 

بيّن التقرير أن الخريطة الفعلية للسلطة في مصر ليست كما تبدو في الشكل الرسمي، مشيراً إلى أن المؤسسة العسكرية والأمنية تمسك بمفاصل القرار السياسي والاقتصادي معاً، بينما تتحكم القوى الخارجية في توجهات الاقتصاد من خلال الديون والمساعدات.

 

وحدّدت صلاح تأثير هذه القوى في مستويين:دول الخليج التي تموّل العجز وتفرض سياسات اقتصادية مقابل السيطرة على أصول ومشروعات استراتيجية، ما يعمّق التبعية المالية.الولايات المتحدة وإسرائيل اللتان تؤثران عبر المساعدات العسكرية والصفقات الإقليمية التي تشمل ملفات الغاز وغزة وسيناء.

 

واعتبر التقرير أن هذه الثنائية بين سلطة داخلية عسكرية وسلطة خارجية اقتصادية تمثل جوهر الأزمة، إذ تفقد الدولة مرونتها في اتخاذ قرارات مستقلة وتتحول السياسات الاقتصادية إلى أدوات تكيّف مع متطلبات الدائنين لا مع حاجات المجتمع.

 

الانهيار المالي وبيع الأصول: من القروض إلى فقدان السيادة

 

تستند د. سالي صلاح إلى بيانات حديثة تُظهر تفاقم الدين الخارجي من 155.9 مليار دولار في ديسمبر 2024 إلى 168.4 مليار دولار في ديسمبر 2025، أي بزيادة تفوق 13 مليار دولار خلال عام واحد، مع تضخم خدمة الدين حتى بلغت 142% من الإيرادات العامة. هذا يعني أن موارد الدولة لا تكفي لسداد أقساط وفوائد القروض فقط، ما يضع البلاد في دائرة تمويلية مغلقة تستنزف الخزانة.

 

كما يرتفع الدين إلى مستوى قياسي مقارنة بالصادرات بنسبة 233%، واضعة مصر ضمن أكثر الدول مديونية في العالم. ورغم حصول الحكومة على قروض جديدة من صندوق النقد الدولي (2.7 مليار دولار في ديسمبر 2025) والاتحاد الأوروبي (4 مليارات يورو في نوفمبر 2025)، فإن هذه القروض لم تنجح في تحفيز الإنتاج، بل دفعت نحو بيع الأصول الاستراتيجية كوسيلة سريعة لتوفير السيولة.

 

أشارت صلاح إلى نماذج بيع رأس الحكمة في الساحل الشمالي لشركة "بالم هيلز" بحق انتفاع 99 سنة، بما يقدر بخسارة 35 مليار دولار في العقد الأول، وبيع رأس بناس في البحر الأحمر لشركات إماراتية بشروط إعفاء ضريبي طويل، بالإضافة إلى تفويت أراضي وادي النطرون على شركات استثمارية.

 

وترى صلاح أن هذه الصفقات تمثل فقداناً تدريجياً للسيادة الاقتصادية وتحويلاً للأرض من أصل وطني إلى امتياز تجاري أجنبي.

 

وتتزامن هذه السياسات مع انهيار في الزراعة، حيث توقفت أكثر من 60% من صغار المزارعين عن العمل بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج وتراجع الربحية، وتملح ما بين 30 و40% من أراضي الدلتا. كما أغلقت 20 ألف مصنع تقريباً بسبب المديونية وضعف التمويل، ما جعل الصناعات المحلية تتراجع لمصلحة الاستيراد حتى في السلع الأساسية.

 

النتيجة، بحسب التقرير، تضخم تراكمي بلغ 50% في أكتوبر 2024، وخدمات عامة تتهاوى في التعليم والصحة والنقل، فيما تستمر الحكومة في الترويج لأرقام نمو كلي لا تعكس الواقع المعيشي.

 

بدائل الإنقاذ: من وقف التصفية إلى العقد الاجتماعي الجديد

 

تطرح د. سالي صلاح مجموعة من الحلول الوطنية التي تبدأ بوقف فوري لـ"تصفية الدولة"، من خلال فرض حظر دستوري مؤقت على بيع الأصول الاستراتيجية، ومراجعة كل الصفقات عبر لجنة مستقلة ذات صلاحيات رقابية. كما تدعو إلى تحويل الدين إلى أداة إنتاجية عبر مبادلة الديون بمشاريع تمكن من خلق قيمة مضافة داخلية بدلاً من الاعتماد على القروض قصيرة الأجل.اقتصادياً، تقترح إعداد خطة صناعية وطنية تربط منح الأراضي بالإنتاج الحقيقي والتصدير، وتشجع القطاع الخاص المنتج لا المضاربات العقارية.

 

وتؤكد ضرورة إصلاح مالي يقوم على العدالة الضريبية بفرض ضريبة تصاعدية على الثروة والأرباح العقارية، وخفض الإنفاق على المشروعات الرمزية، وربط الأجور بالتضخم لضمان حماية القوة الشرائية للمواطنين.

 

سياسياً، تعتبر أن أي إصلاح اقتصادي من دون تغيير في بنية الحكم هو "مجرد تأجيل للانهيار"، وأن الإصلاح السياسي شرطٌ للإنقاذ الاقتصادي. وتشمل رؤيتها بناء تحالف وطني جديد يجمع رجال الأعمال الوطنيين، النقابات، الشباب، والمجتمع المدني الفاعل، على أساس دولة شفافة ذات برلمان منتخب وقضاء مستقل وحرية تنظيم مدني. فالدولة – كما تقول – ليست شركة تبحث عن السيولة، بل أمانة للأجيال، وكل قرض جديد أو بيع لأرضها "دَين على المستقبل".