أثار إعلان إسرائيل اعترافها بـ"جمهورية أرض الصومال" موجة واسعة من الجدل في الأوساط السياسية والإعلامية العربية، خاصة في ظل التوقيت الحساس الذي يأتي عقب تصاعد الحرب في غزة واستمرار الصراع الإقليمي على الممرات المائية الحيوية. ورأى مراقبون أن الخطوة الإسرائيلية ليست مجرد حدث دبلوماسي، بل فصل جديد في سباق السيطرة على طرق التجارة والطاقة من البحر الأحمر إلى المحيط الهندي.

 

وتقاطعت الآراء حول دلالات التحرك الإسرائيلي وتبعاته على أمن البحر الأحمر وباب المندب، وسط تحذيرات من تشكيل “حزام ناري” جيوسياسي يحيط بمصر ويقوّض مكانتها الاستراتيجية في المنطقة.

 

البحر الأحمر وباب المندب: رئة إسرائيل وعقدة الممرات المائية

 

الكاتب علاء عوض اعتبر الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال خطوة كاشفة لـ"حرب السيطرة على الممرات المائية" الممتدة ببحر العرب والبحر الأحمر. وأشار إلى أن باب المندب، الذي يمثل عقدة الوصل بين المحيط الهندي والبحر الأحمر، هو "كابوس إسرائيل" و"رئتها البحرية الهامة"، نظرًا لاعتمادها على هذا الممر في حركة التجارة وتصدير واستيراد الإمدادات.

 

ولفت عوض إلى أن تجربة إغلاق الحوثيين للمضيق خلال حرب غزة شكّلت لحظة صدمة استراتيجية لتل أبيب، بعدما خرج ميناء إيلات فعليًا من الخدمة وتضررت حركة الملاحة به بصورة شديدة. ومن هذا المنطلق، يرى أن سعي إسرائيل نحو الاعتراف بأرض الصومال يعكس محاولة استباقية لتأمين طريق بحري بديل يمنحها قدرة حركة مستقلة خارج نطاق الضغط الإقليمي والبحري العربي.

 

ويرى عوض أن ما حدث ليس سوى تنفيذ لسياسة "التنفس الخلفي" التي تتبعها إسرائيل بإنشاء شبكات نفوذ تمتد من خليج عدن إلى البحر الأحمر، بما يمنحها مجالاً حيويًا في مواجهة أي حصار، سواء من محور المقاومة في الشمال أو التحولات الكبرى التي يشهدها اليمن والقرن الأفريقي.

 

أحمد سلام: تهديد مباشر لأمن قناة السويس ومكسب خفي لإثيوبيا

 

أما الكاتب أحمد سلام فقد وصف الاعتراف الإسرائيلي بـ"تغيير لقواعد اللعبة الجيوسياسية"، كونه يمنح تل أبيب موطئ قدم جديدًا في منطقة شديدة الحساسية تربط آسيا بأفريقيا وأوروبا.

 

ويرى سلام أن إثيوبيا هي "المستفيد الأكبر (والخفي)" من هذا التحول، إذ يعيد خلط الأوراق في البحر الأحمر بما يمنحها دعمًا غير مباشر في مساعيها القديمة للحصول على منفذ بحري مستقل بعد صراعها الحدودي مع إريتريا.

 

ويوضح سلام أن الخطر الحقيقي يتمثل في "الأمن القومي المصري"، لأن هذا التمدد الإسرائيلي – الإثيوبي عند باب المندب – يخلق تهديدًا استراتيجيًا لقناة السويس التي تمثل العصب الاقتصادي لمصر. ويضيف أن القاهرة تنظر بقلق إلى ما تسميه "حزام النفوذ الصهيوني" الممتد من باب المندب حتى تيران وصنافير، معتبرة أن ذلك يشكّل محاولة واضحة لمحاصرة دورها الإقليمي وتحجيم قدرتها على التأثير في شرق أفريقيا وملف سد النهضة.

 

ويؤكد سلام أن “الاعتراف بأرض الصومال” ليس مجرد تحرك دبلوماسي بل مشروع إعادة ترسيم لمعادلات النفوذ والأمن البحري تحاول إسرائيل من خلاله كسر طوق العزلة الذي تضربه النزاعات اليمنية وحرب غزة على طرق تجارتها البحرية.

 

ويشرح أن إثيوبيا ستحصل من هذه الشراكة الضمنية على منفذ محتمل لتصدير بضائعها أو استيراد السلاح والطاقة، ما سيمنحها ورقة ضغط جديدة على دول المصب، وعلى رأسها مصر والسودان.

 

حزام ناري حول مصر: يحيى موسى وإسلام الغمري يحذّران من خريطة نفوذ جديدة

 

السياسي يحيى موسى استخدم توصيفًا لافتًا حين قال إن "التحكم بباب المندب يعني تحكمًا شبه كامل بقناة السويس وخليج العقبة". ولفت إلى أن مصر "فقدت السيطرة على مدخل خليج العقبة" بعد بيع تيران وصنافير، والآن بات باب المندب أقرب إلى "النفوذ الإماراتي الصهيوني"، ما يجعل "الحزام الناري حول مصر يزداد اشتعالاً من البر والبحر، ليس بفعل الغفلة أو الفشل، بل بتواطؤ النظام الحاكم".

 

ويرى موسى أن هذه التطورات تمثل إعادة رسم لموازين القوة الإقليمية بشكل يجعل القاهرة في موضع دفاع استراتيجي دائم، وسط تقلص هامش حركتها في القضايا الإقليمية.

 

ومن جهته، يرى الباحث المصري إسلام الغمري أن الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال "محاولة لتأمين موطئ قدم استراتيجي عند مدخل باب المندب" لتعويض العزلة البحرية التي تعاني منها إسرائيل نتيجة اضطراب إمداداتها خلال حرب غزة.

 

واعتبر أن الخطوة "تعبّر عن تماهٍ واضح مع الطموحات الإثيوبية القديمة لانتزاع منفذ بحري" في المنطقة نفسها، وهو ما قد يخلق محور نفوذ عسكري واستخباراتي جديد يمتد على طول الساحل الشرقي لأفريقيا.ويحذر الغمري من أن المشهد الراهن "يشكل تهديدًا غير مسبوق للأمن القومي العربي والمصري"، داعيًا إلى تحرك مصري – تركي – إقليمي يواجه مشروع إعادة رسم خرائط النفوذ العسكري والأمني في واحد من أهم ممرات التجارة العالمية وأكثرها حساسية.

 

وشدد على أن التريث أو التجاهل في هذه اللحظة قد يمنح القوى الإقليمية الأخرى موطئ قدم يصعب نزعه لاحقًا.

 

قراءة ختامية

 

بينما تواصل الحكومة الإسرائيلية توظيف علاقاتها في القرن الأفريقي لتحقيق مكاسب استراتيجية وتأمين طرق شحنها البحرية، يتزايد القلق في القاهرة من أن يتحول البحر الأحمر تدريجيًا إلى ساحة نفوذ متصارعة تربك أمنها المائي والاقتصادي معًا. ويرى المراقبون أن السيناريو القائم يفتح الباب أمام لحظة حاسمة تحدد ما إذا كانت مصر ستبادر بتشكيل توازن استراتيجي جديد يحافظ على موقعها المركزي، أم ستكتفي بمراقبة خريطة تتغير من حولها دون أن تكون جزءًا من هندستها.