بين هواجس الديون المتصاعدة وضبابية مؤشرات التشغيل، يتعرض الاقتصاد المصري لتحديات بنيوية تعمق الفقر وتحد من قدرته على خلق فرص عمل حقيقية.

 

ففي وقت تصف فيه الحكومة أداءها بأنه "مسار إصلاحي مستدام"، تشير تقارير اقتصادية وقراءات ميدانية إلى واقع مغاير يقوم على تفاقم الأعباء المعيشية وتآكل الدخل الحقيقي.

 

وبحسب البنك الدولي، بلغ المعدل الوطني للفقر 33.5% في عام 2021، فيما يستمر التضخم والبطالة في تشكيل ضغط اجتماعي دائم.

 

وبينما يربط رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بين المشروعات القومية وتراجع البطالة، يرى اقتصاديون أن تراجع معدل البطالة الرسمي يخفي وراءه بطالة مقنّعة وتراجعًا في التشغيل الفعلي، ما يجعل الصورة "أقل وردية بكثير" مما تروجه الخطابات الرسمية.

 

الديون والأصول: بين إنقاذ الدولة وتفكيكها

 

تتزامن أزمة الديون المصرية مع توسع الحكومة في بيع أو تأجير الأصول العامة لجلب السيولة وسداد الالتزامات الخارجية، ما يثير جدلًا حول أثر هذه السياسات على السيادة الاقتصادية.

 

وفي هذا السياق، تقول الخبيرة في الاقتصاد الاستراتيجي د. سالي صلاح إن "التمويل الخارجي لا يُستخدم لدعم الإنتاج، بل لتدوير الديون السابقة، بينما ينتقي الدائنون أفضل أصول الدولة وأراضيها مقابل أموالهم".

 

وتضيف أن هذه المقاربة "تجعل الدين أداة تفكيك لا أداة تنمية"، خصوصًا مع تراجع قدرة القطاعات الإنتاجية على النمو الذاتي.

 

ويرى د. عمرو عادلي، أستاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، أن ما يجري هو نتيجة "الاعتماد المفرط على الدين الخارجي كوسيلة تمويل بديلة للإصلاح المؤسسي الحقيقي"، موضحًا أن بيع الأصول ليس حلاً مستدامًا بل "إعادة تدوير للأزمة عبر أموال مؤقتة تمنح انطباعًا زائفًا بالاستقرار".

 

ويشير إلى أن استمرار القروض من صندوق النقد الدولي أو الاتحاد الأوروبي يخلق دائرة مغلقة من الالتزامات دون تحفيز حقيقي للإنتاج المحلي أو جذب استثمارات طويلة الأجل خارج إطار العقارات والطاقة.

 

ويؤكد الخبير المالي هاني توفيق، رئيس الجمعية المصرية للاستثمار المباشر سابقًا، أن "بيع الأصول في ظروف اقتصادية مضطربة وتحت ضغط الديون يفقد الدولة قدرتها على التفاوض العادل".

 

ويضيف أن "الخصخصة في الأزمات تجعل المستثمرين ينتقون الأصول المربحة فقط، تاركين للدولة القطاعات الخاسرة"، وهو ما يؤدي إلى خلل في توزيع العوائد وفقدان الموارد طويلة الأجل.

 

الفقر والبطالة: الأرقام لا تقول الحقيقة كاملة

 

تُظهر مؤشرات البنك الدولي لعام 2021 أن ثلث المصريين تقريبًا يعيشون تحت خط الفقر، نتيجة عوامل مركّبة تشمل التضخم، وضعف الأجور، والزيادة السكانية المتسارعة.

 

ورغم جهود الحكومة في التوسع في برامج الحماية الاجتماعية، مثل "تكافل وكرامة"، فإن الفجوة بين الدخل وتكاليف المعيشة تزداد اتساعًا.

 

وبحسب منظمة اليونسكو، بلغ معدل الأمية في البلاد نحو 26% عام 2022 (أي أن معدل الإلمام بالقراءة والكتابة يبلغ 74%)، ما يعكس التحدي المستمر في التعليم الابتدائي خصوصًا في المناطق الريفية.

 

ويراها الخبير التربوي د. عادل عبدالغفار "عاملًا مؤثرًا في مرونة سوق العمل وقدرة الاقتصاد على خلق وظائف نوعية"، مضيفًا أن التعليم الجيد هو "المحرك الحقيقي للنمو الشامل وليس مجرد رقم في تقارير الإنفاق".

 

أما حساب التحليلات الاقتصادية @SaheehMasr فأشار إلى أن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي يربط بين الإنفاق على المشروعات القومية وتراجع معدل البطالة، لكنه يرى أن البيانات الرسمية "لا تعكس الواقع الفعلي"، لأن انخفاض معدل البطالة لم يصاحبه توسيع حقيقي للتشغيل، بل ترافق مع "انكماش في معدلات التشغيل الإجمالية"، ما يعني أن التحسن الظاهري سببه خروج أعداد من قوة العمل أو زيادة البطالة المقنّعة.

 

يوضح مصدر في الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء – رفض ذكر اسمه – أن معدل التشغيل أدق من معدل البطالة في التعبير عن واقع السوق، لأنه يقيس نسبة من يعملون فعليًا إلى مجموع السكان في سن العمل.

 

وبناء على هذا المؤشر، فإن التشغيل الفعلي لم يشهد زيادة ملحوظة خلال السنوات الأخيرة، رغم توسّع الإنفاق العام في المشروعات القومية الكبرى.

 

الطريق إلى الإصلاح: الإنتاج أولًا

 

يتفق الخبراء على أن محور الإصلاح لا يمكن أن يكون في مزيد من القروض أو الإعفاءات المؤقتة، بل في إحياء القطاعات الإنتاجية التي تولّد الوظائف والدخل.

 

وتشير د. سالي صلاح إلى أن "الزراعة والصناعة فقدتا وزنهما خلال العقد الأخير لصالح اقتصاد الخدمات والإنشاءات"، داعية إلى خطة وطنية تربط منح الأراضي بالتزامات إنتاجية وتصديرية واضحة.

 

ويضيف د. عمرو عادلي أن "استدامة النمو تتطلب بيئة مؤسسية تسمح بدخول وخروج الشركات بحرية، ونظامًا ضريبيًا أكثر عدالة"، بينما يرى هاني توفيق أن "جذب الاستثمارات الحقيقية مشروط باستقرار التشريعات لا بتنازلات الأصول".

 

ويرى هؤلاء الخبراء أن الإصلاح الاقتصادي يجب أن يواكبه إصلاح سياسي ومؤسسي يعيد الثقة بين الدولة والمواطنين

 

والمستثمرين المحليين، لأن الثقة – لا التمويلات الطارئة – هي ما يحرك عجلة الإنتاج. فبدون شفافية ومساءلة وعدالة في توزيع الموارد، تبقى كل مؤشرات التحسن المالي "إصلاحًا على الورق فقط"، فيما يستمر الواقع اليومي في تكريس الفقر وتآكل الطبقة الوسطى.