في صفقة تُكرِّس حالة الإفلاس المُعلَن، توصلت حكومة الانقلاب إلى اتفاق مبدئي مع بعثة صندوق النقد الدولي لطرح مشروعات جاهزة بقيمة تصل إلى ملياري دولار أمام القطاع الخاص، مقابل صرف شرائح القرض المُعلَّق، في اعتراف ضمني بأن الموازنة قد استُنزِفت تماماً ولم يَبْقَ سوى بيع آخر قطع الأرض والمشاريع لسداد فوائد الديون.

 

هذا الاتفاق، الذي جاء خلال المراجعتين الخامسة والسادسة لقرض 8 مليارات دولار، ليس إصلاحاً اقتصادياً بل استسلام كامل لإملاءات الصندوق، حيث تُباع مقدرات الشعب لتمويل نظام يُفضِّل القصور والعسكر على التعليم والصحة، وسط تأجيل صرف الشرائح السابقة بسبب فشل الخصخصة السابقة.

 

ملياري دولار مقابل تحلية مياه: بيع المستقبل لسداد ديون الفشل

 

يتضمن الاتفاق طرح مشروعين لتحلية مياه الشرب – واحد في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس والآخر جنوب العلمين بـ900 مليون دولار – للقطاع الخاص خلال يناير المقبل، كجزء من سياسة "تعزيز مشاركة القطاع الخاص"، لكن الحقيقة أقسى: هذه المشاريع ليست استثماراً جديداً بل بيع لأصول جاهزة لسد فجوة مالية ناتجة عن إنفاق عشوائي على مشاريع "فنكوشية" غير منتجة. الحكومة التي تُدَّعي الإنجازات تُعترف اليوم بأنها عاجزة عن تمويل مياه الشرب الأساسية، فتُرْهنها للخاص مقابل دولارات مؤقتة، في تكرار لنهج "الدين مقابل الأصول" الذي سرَّق الشعب موانئه وأراضيه.

 

هذا البيع ليس اقتصادياً بل سياسياً؛ فالصندوق أجَّل صرف الشريحة الخامسة في يوليو بسبب تأخُّر الخصخصة، ودمجها مع السادسة مقابل وعد بالطرح الفوري، مما يؤكِّد أن السيسي يُدير الاقتصاد كرهينة لإملاءات واشنطن، بعيداً عن أولويات 108 ملايين مواطن يئنُّون تحت الغلاء والديون.

 

صفقة مع الصندوق: إصلاحات هيكلية أم استسلام لإملاءات خارجية؟

 

ركَّزت المباحثات على ضبط المالية العامة، خفض العجز والدين، مرونة سعر الصرف، وإصلاحات هيكلية لجذب الاستثمار، لكن هذه "الإصلاحات" تعني في الواقع بيعاً مُسْرَعاً للأصول لسداد فوائد الدين الخارجي الذي بلغ 161.2 مليار دولار بنهاية يونيو 2025، مع زيادة 8.3 مليار دولار في عام. الحكومة استعرضت خطة طروحات تفصيلية لشركات وأصول، لكن الفشل السابق – كما اعترف مصدر المالية – يُثْبِت أن الطروحات تُفْشَل بسبب شروط مُضْلِلَة وأسعار مُبَالَغَة تطْرُد المستثمرين الحقيقيين، مما يجعل الاتفاق مجرّد وعد كاذب لصرف 2.4 مليار دولار من الشرائح الخامسة والسادسة.

 

الصندوق يُشْدِد على تسريع الطروحات وربطها بإصلاحات مؤسسية لتعزيز الثقة، لكن هذا يعني خضوعاً كاملاً لشروطه: بيع الشركات العامة، خفض الدعم، تعويم الجنيه مرة أخرى، في سياسة تُدْفِع الفقير إلى الهاوية مقابل "استقرار كلي" يخدم الدائنين لا الشعب.

 

بيع للخصخصة مقابل صرف دولارات: شعب يدفع فاتورة الفساد والإسراف

 

الهدف المُدَّعَى هو تخفيف الأعباء عن الموازنة وتوجيه الدعم للتعليم والصحة، لكن الواقع يُظْهِر أن هذه المشاريع كانت مُمَوَّلَة أصلاً من الدين، والطرح الآن يُعْطِي القطاع الخاص سيطرة طويلة الأمد مقابل إيرادات مؤقتة، في تكرار لصفقات سابقة باعت موانئ وأراضياً لسداد فوائد. نتائج المراجعتين ستُرْفَعْ للمجلس التنفيذي قريباً لصرف الشرائح، لكن التزام الحكومة بـ"الإصلاح لتحسين المعيشة" كذبة كبرى؛ فالدين المحلي والخارجي يُلْهِمُ الموازنة، والمدفوعات زادت 17.6% إلى 38.7 مليار دولار، مع ديون خليجية بلغت 37.7 مليار دولار (السعودية 13.5، الإمارات 11.7).

 

هذا النهج يُحَوِّل مصر إلى "شركة مُفْلَسَة" تبيع أصولها للبقاء، بينما يُدْفَعُ الشعب فاتورة التضخم والغلاء، والصندوق يُمْنَحُ حق الفيتو على القرارات الاقتصادية، في خضوع كامل لإملاءات خارجية يُدْعَمْ بها نظام يُفْقِرُ شعبه ليُبْقِيَ على كراسي السلطة. الاتفاق ليس إنقاذاً بل وصفة لمزيد من البيع والفقر، حيث تُرْهَنُ المياه والمستقبل لدولارات تذهب للدائنين لا للتنمية.