بعد مرور عامين على اندلاع الحرب في غزة، يواجه الاقتصاد المصري واحدة من أصعب مراحله منذ عقود، إذ تكشّفت آثار العدوان الإسرائيلي على مختلف القطاعات الاقتصادية الحيوية، من الجنيه إلى قناة السويس، مرورًا بالغاز والسياحة والسيولة النقدية. ورغم الإعلان عن اتفاق لوقف الإبادة يوم الخميس، فإن التداعيات الاقتصادية لا تزال تتفاقم، فيما تقف الحكومة عاجزة عن تقديم رؤية واضحة لإنقاذ اقتصادٍ يتداعى بفعل الحرب وسوء الإدارة.
انهيار الجنيه وتآكل القوة الشرائية
ويقول الخبير الاقتصادي أحمد خزيم إن الحرب تسببت في ضغط مباشر على موارد مصر من العملات الأجنبية، لتدخل البلاد في دوامة من تراجع الجنيه أمام الدولار. هذه الانهيارات المتكررة في قيمة العملة المحلية رفعت أسعار السلع الأساسية والمستوردة إلى مستويات قياسية، وسط غياب تدخل حكومي فعّال. ويشير الخبير الاقتصادي أحمد خزيم إلى أن الحكومة سمحت بانهيار الجنيه عبر سياسات نقدية مرتبكة، بدلًا من إيجاد حلول واقعية لتوفير العملة الصعبة وتنشيط القطاعات الإنتاجية. ومع ارتفاع التضخم وتراجع الدخل الحقيقي، أصبحت الطبقات الفقيرة والوسطى تدفع ثمن الحرب والفشل المالي معًا.
قناة السويس: شريان الاقتصاد ينزف
ووفقا الدكتور كريم عادل، رئيس مركز العدل للدراسات الاقتصادية فتُعد قناة السويس أحد أهم مصادر النقد الأجنبي لمصر، لكنها كانت من أبرز المتضررين من اضطرابات البحر الأحمر الناتجة عن الحرب. تشير البيانات الرسمية إلى أن إيرادات القناة تراجعت بنحو 50 إلى 60% في عام 2024، أي بخسارة تقارب 7 مليارات دولار، نتيجة تحوّل العديد من شركات الشحن إلى طرق بديلة لتجنب المخاطر في مضيق باب المندب. ويؤكد عمرو السمدوني، رئيس شعبة اللوجستيات، أن القناة فقدت مكانتها كطريق آمن للتجارة العالمية، ما أدى إلى تقلص الإيرادات وتراجع الثقة الدولية في الممر الملاحي المصري.
ضعف السيولة وارتفاع الدين العام
وتابع رئيس مركز العدل للدراسات الاقتصادية أنه في ظل تقلص مصادر النقد الأجنبي، تفاقمت أزمة السيولة في الاقتصاد المصري. فقد ارتفعت فواتير الاستيراد، بينما اتجهت الحكومة إلى الاقتراض الخارجي المفرط لتغطية العجز.
ووفقًا لبيانات البنك المركزي، قفز الدين العام إلى مستويات غير مسبوقة، فيما تراجعت قدرة الدولة على تمويل الخدمات العامة. وبدلًا من تنفيذ إصلاحات اقتصادية حقيقية، لجأت الحكومة إلى إجراءات تقشفية زادت من معاناة المواطنين، من بينها رفع أسعار الوقود وتقليص الدعم على السلع الأساسية، ما فاقم التدهور المعيشي وأشعل موجة سخط شعبي واسعة.
صفقات الغاز المثيرة للجدل
ويرى الدكتور كريم عادل، أن من أكثر الملفات إثارة للانتقاد كانت صفقة الغاز مع الكيان الإسرائيلي، التي بلغت قيمتها 35 مليار دولار لزيادة واردات الغاز إلى مصر بحلول صيف 2026. واعتبر أن الصفقة تمثل انحرافًا سياسيًا واقتصاديًا خطيرًا، إذ تستورد مصر الغاز من أراضٍ محتلة رغم امتلاكها احتياطيات غاز محلية ضخمة. هذا النهج الريعي في إدارة الموارد يعكس، بحسب مراقبين، غياب استراتيجية تنموية حقيقية واعتمادًا متزايدًا على الحلول السهلة قصيرة المدى.
خسائر السياحة: ضربة جديدة لاقتصاد هش
وأشار أليساندرو فراكاسيتي ممثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مصر أنه إلى جانب القناة والعملة، تلقّى قطاع السياحة ضربة قاسية منذ اندلاع الحرب. فمع تصاعد التوترات الإقليمية وتراجع تدفق السياح من أوروبا وروسيا، انخفضت الإيرادات السياحية بنحو 40% خلال عامي 2024 و2025، وفق تقديرات خبراء في القطاع. المدن السياحية مثل شرم الشيخ والغردقة والأقصر شهدت معدلات إشغال متدنية، فيما ألغت شركات عالمية رحلاتها إلى مصر بسبب المخاوف الأمنية وعدم الاستقرار الإقليمي. كما أثرت أزمة سعر الصرف وارتفاع تكاليف الخدمات السياحية على تنافسية المنتج المصري مقارنة بدول الجوار مثل تركيا والمغرب. هذه الخسائر زادت من الضغوط على احتياطي النقد الأجنبي وأفقدت الاقتصاد المصري أحد أهم مصادر دخله التاريخية.
استنتاج نقدي: اقتصاد بلا رؤية
تُظهر الأزمة الاقتصادية المصرية الحالية مدى غياب الرؤية الاستراتيجية لدى الحكومة. فبدلًا من العمل على تنويع مصادر الدخل وزيادة الإنتاج المحلي، اختارت الدولة طريق الاقتراض وبيع الأصول العامة. ومع تفاقم الأزمات المعيشية وتدهور الخدمات، باتت الثقة الشعبية في إدارة الحكومة للاقتصاد شبه معدومة.
إن حرب غزة لم تكن سوى اختبار كشف هشاشة النموذج الاقتصادي المصري الذي يقوم على شعارات الاستقرار السياسي دون تنمية حقيقية. واليوم، بينما تتحدث الحكومة عن “تعافي قريب”، يعيش المواطن المصري في مواجهة واقع من التضخم، والبطالة، وانهيار القدرة الشرائية، دون أي مؤشرات حقيقية على تحسن قريب.