أعلنت وزارة التنمية المحلية بحكومة الانقلاب بدء تطبيق المواعيد الشتوية للمحال العامة اعتبارًا من 26 سبتمبر 2025، مع إلزام المحال والمولات بالإغلاق عند العاشرة مساءً يوميًا مع مهل واستثناءات محدودة للمطاعم والكافيهات.
السلطة برّرت القرار بأنه إجراء يهدف إلى ترشيد استهلاك الطاقة وضبط الشارع، لكن الأسر والتجار يقرأون منه آثاره الاقتصادية والاجتماعية والسياسية قبل أي منافع بيئية واضحة.
الجذور القانونية والزمنيّة للقرار
النظام لم يولد من فراغ؛ فهو يُستند إلى نصوص تنظيمية صدرت في سنوات سابقة، وخصوصًا القرار الوزاري الذي أُقرَّ لتحديد مواقيت العمل الموسمية، ما يجعل قرار 26 سبتمبر 2025 إعادة تفعيل لآلية موجودة منذ 2020، لكن الفرق هذه المرة أن تطبيقه يدار في ظل ظرف اقتصادي متدهور وسياسة أمنية مشددة يقودها قائد الانقلاب العسكري، مما يضفي على الخطوة بعدًا رقابياً لا يقتصر على المقاصد التقنية.
المبررات الرسمية
قدَّم المتحدثون الرسميون تبريرين رئيسيين:
أولًا: ترشيد استهلاك الطاقة
ثانيًا: تحقيق الانضباط في الشارع
تحدث مسؤولو الوزارة عن أن تقليل ساعات التشغيل سيوفر في الفواتير ويخفف الضغط على شبكات الكهرباء، بينما ربطت تعليمات المحافظات تطبيق المواعيد بتنسيق مع مديريات الأمن لمتابعة الالتزام.
لكن التصريحات الرسمية لم تصحبها أرقام كمية معلنة توضح حجم الترشيد المتوقع أو خريطة التعويض للمتضررين.
أرقام وتواريخ مأساوية.. من إعادة التوقيت الصيفي إلى مواعيد الشوارع المغلقة
أعادت مصر العمل بالتوقيت الصيفي في أبريل 2023 بعد توقف دام 7 سنوات، في محاولة من النظام لمعالجة أزمة الطاقة عبر الاستفادة من ضوء النهار، وتم تقديم الساعة 60 دقيقة من الجمعة الأخيرة من أبريل وحتى الخميس الأخير من أكتوبر.
ثم جاء القرار الحالي بتقليص ساعات العمل للمحال التجارية من 26 سبتمبر 2025 وحتى نهاية أبريل 2026، ضمن ما يعرف بالمواعيد الشتوية.
المفارقة أن التوقيت الشتوي الرسمي على مستوى الدولة يبدأ فعليًا في 31 أكتوبر 2025، أي بعد بداية مواعيد إغلاق المحال. هذا التداخل يربك المواطنين ويضيف مزيدًا من العبء اليومي عليهم، خاصة مع ضعف الخدمات الحكومية الاقتصاديّة والاجتماعيّة المتوفرة لهم.
بالنظر إلى إحصائيات قطاع الطاقة، فقد أكدت الجهات الرسمية أن مصر تواجه عجزًا في إنتاج الكهرباء مع ارتفاع الطلب، الأمر الذي دفع السيسي إلى اتخاذ إجراءات ترشيدية تبدأ من تقليل ساعات فتح المحال، التي تستهلك الطاقة بكثافة.
لكن انتقاد سياسيين واقتصاديين بارزين مثل د. هاني قدري دميان ويشير الدبلوماسيون إلى أن هذه الإجراءات غير كافية إذا لم تُرافق بإصلاحات هيكلية عميقة في سوق الطاقة، وليس فقط فرض قيود تضرب معيشة المواطنين.
ضباب على المداخيل اليومية
أصحاب المحال الصغيرة في المدن يتلقون القرار بقلق ممزوج بتوقعات متفاوتة؛ يقول محمود السيد، صاحب محل ملابس في المنشية بالإسكندرية: إحنا مع القرار، لكن الأحسن لو كان مع تغيير الساعة الشتوية، لأن الساعة 10 مساءً الآن تكون بعد العشاء والناس لا تزال في الشارع للتسوق.
ويضيف سيف محمد: الزبون يفضل النزول بعد الصلاة، وإذا غلقنا بدري سنقلل من وقت الخدمة.
وصلاح الدين حافظ يؤكد: الالتزام مطلوب… لكن نأمل مرونة بما يتناسب مع ظروف التوقيت الشتوي.
هذه الشهادات توضح أن التجار يخشون فقدان ساعات الذروة دون تعويض أو تخطيط عملي يُراعي سلوك المستهلك.
قطاع المطاعم والكافيهات.. استثناءات محفوفة بالثمن
على النقيض، يعبر بعض العاملين بقطاع الضيافة عن رضا مشوب بالتحفظ؛ طاهر الشويخ، صاحب مقهى، يقول إن تمديد ساعات العمل للمطاعم والكافيهات حتى منتصف الليل وخدمة الدليفري المتاحة 24 ساعة يعطينا ميزة تنافسية كبيرة… هذه المواعيد تساعدنا على تلبية احتياجات الزبائن.
لكن هذا الاستثناء لا يعالج ضياع دخل آلاف الأكشاك والحرفيين والمتاجر الصغيرة التي تعتمد على الحركة المسائية، كما أن التوسع في خدمات الدليفري يرفع تكاليف التشغيل ويضع عبئًا إضافيًا على أصحاب المطاعم الصغيرة.
الأثر الاقتصادي المتوقع
الأرقام الاقتصادية تُظهر هشاشة كبيرة: تشكل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة النسبة الكبرى من النسيج الاقتصادي الوطني، مع مساهمة كبيرة في التوظيف والدخل الوطني؛ أي تقييد لساعات العمل الليلي يعني انخفاضًا مباشرًا في الإيرادات اليومية لدى شرائح واسعة من قوة العمل غير الرسمية.
تقليص ساعات التشغيل يعني أيضًا ضغطًا أكبر على السيولة، وزيادة مخاطر الإغلاقات وارتفاع معدلات البطالة الجزئية، فيما لا توجد آليات تعويض واضحة أو حزم دعم فورية موجهة للمتأثرين.
البعد السياسي والأمني.. ضبط الشارع أم تضييقٌ للمجال العام؟
تمثّل عبارة ضبط الشار؛ تحوّلًا في طبيعة الخطاب الرسمي: فقد أصبحت الإجراءات الإدارية أداة للرقابة الاجتماعية، خصوصًا في ظل تشديد الرد الأمني على أي احتجاج أو تجمع.
تطبيق مواعيد الإغلاق بصيغة مركزية مع مراقبة أمنية قد يُستخدم لفرض ضوابط على الحركة العامة، ويجعل من الفضاء الليلي الذي يعد متنفسًا اقتصاديًا واجتماعيًا للكثيرين مجالًا مُقيَّدًا.
في سياق تغلب الأمن على المدنيّة وتراجع الحريات العامة، يصبح للقرار وقع سياسي لا يقل أهمية عن أثره الاقتصادي.
هل سيُخفّض القرار فعلاً استهلاك الطاقة؟
نظريًا نعم، عمليًا لا يكفي مجرد تقليل ساعات الإضاءة والتكييف في المحال لإحداث فرق حقيقي دون خطة طاقة متكاملة تشمل تحسين كفاءة الشبكات، دعم التحول إلى مصادر متجددة، وبرامج ترشيد منظّم ومُقسَّم حسب قطاعات اقتصادية مدروسة.
غياب تقديرات كمية رسمية عن وفورات الطاقة المتوقعة يضع علامة استفهام كبيرة على المبرر البيئي الذي قُدِّم كسبب رئيسي.
توصيات
قرار تطبيق المواعيد الشتوية في 26 سبتمبر 2025 قد يبدو إجراءً تنظيميًا تقنيًا، لكنه في سياق حكم قائد الانقلاب العسكري يتحوّل إلى آلية إضافية لضبط الزمن الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين.
التوصية بسيطة؛ إن كانت الحكومة جادة في هدف ترشيد الطاقة فلتطرح أرقامًا واضحة، وخطة تعويض للمتضررين، وحوافز لدعم MSMEs، وبرامج كفاءة طاقة ملموسة، وإلا فسيكون القرار خطوة تُثقل كاهل الاقتصاد الليلي وتزيد من معاناة آلاف الأسر الصغيرة، بينما يوسّع من نفوذ السلطة على الفضاء العام.