في مثل هذا اليوم، تحل ذكرى وفاة الشيخ العلامة يوسف القرضاوي (1926 – 2022)، أحد أبرز علماء الإسلام في العصر الحديث، ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين سابقًا.
رحل القرضاوي في 26 سبتمبر 2022 بالعاصمة القطرية الدوحة عن عمر ناهز 96 عامًا، بعد مسيرة فكرية ودعوية حافلة امتدت لأكثر من سبعة عقود، جمع خلالها بين العلم الشرعي والجرأة الفكرية والالتزام بقضايا الأمة.
 

النشأة والبدايات (1926 – 1954)
وُلد القرضاوي في قرية صفط تراب بمحافظة الغربية بمصر عام 1926، وفقد والده صغيرًا، فتولى عمّه تربيته.
التحق بالأزهر الشريف حيث برز نبوغه مبكرًا، فحفظ القرآن الكريم وهو لم يتجاوز العاشرة.
1940: التحق بالمعهد الديني بطنطا، حيث تأثر بجو الصحوة الدينية والسياسية.
1953: حصل على العالمية من كلية أصول الدين بجامعة الأزهر.
1954: اعتُقل للمرة الأولى بسبب انتمائه الفكري والدعوي.


 

 

الانتشار العلمي والفقهي (1961 – 1990)
غادر القرضاوي مصر إلى قطر عام 1961 حيث أسّس كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، وساهم في بناء الحياة الأكاديمية والدينية هناك.
1977: نال الدكتوراه في أصول الفقه من الأزهر برسالة "الزكاة وأثرها في حل المشكلات الاجتماعية".
1984: أصدر كتابه المرجعي "الحلال والحرام في الإسلام" الذي تُرجم إلى أكثر من 20 لغة.
1989: عُرف ببرنامجه التلفزيوني الشهير "الشريعة والحياة" على قناة الجزيرة، والذي تابعه ملايين المسلمين حول العالم.


 

 

مواقف سياسية بارزة (1990 – 2011)
لم يكن القرضاوي عالِمًا أكاديميًا فقط، بل حمل همّ الأمة في قضاياها المصيرية:
1990: وقف ضد الغزو العراقي للكويت، مع رفضه في الوقت نفسه تدخل القوات الأجنبية.
2003: أعلن موقفه الصريح ضد غزو العراق من قبل الولايات المتحدة، واعتبره احتلالًا مرفوضًا.
2008 – 2009: قاد حملة دعم لغزة أثناء العدوان الإسرائيلي، وأصدر عشرات الفتاوى التي تحث على نصرة الشعب الفلسطيني.
2011: عاد إلى ميدان التحرير بالقاهرة بعد ثورة 25 يناير، وألقى خطبة شهيرة أمام الملايين أكد فيها أن "الثورة المصرية ثورة شعبية إسلامية".


 

 

في ميزان النقد والجدل
واجه القرضاوي انتقادات واسعة من خصومه السياسيين والفكريين، خصوصاً بعد دعمه الثورات العربية، ورفضه للانقلابات العسكرية. ورغم ذلك، ظل اسمه حاضرًا بقوة كرمز للفكر الوسطي وللعالم الذي لم يفصل بين الدعوة والواقع.
 

تكريم وعطاء حتى النهاية
2010: حصل على جائزة الملك فيصل العالمية في الدراسات الإسلامية.
استمر في الكتابة والتأليف حتى سنواته الأخيرة، إذ تجاوزت مؤلفاته 170 كتابًا.
في 2022، ودّع العالم الإسلامي خبر وفاته في قطر، حيث شُيّع جثمانه في جنازة شعبية كبيرة.


 

 

إرث علمي وفكري
ترك القرضاوي إرثًا ضخمًا يتمثل في:

  • مدرسة فقهية وسطية قائمة على مقاصد الشريعة وفقه الموازنات.
  • دفاع مستميت عن قضايا التحرر، وعلى رأسها قضية فلسطين التي اعتبرها "واجب الأمة الأول".
  • مؤلفات في الاقتصاد الإسلامي والفقه الاجتماعي، لا تزال مرجعًا للباحثين والطلاب.

وفي النهاية تحل ذكرى وفاة الشيخ يوسف القرضاوي هذا العام لتعيد التذكير بمسيرة رجل لم يكن مجرد فقيه تقليدي، بل صوتًا مدويًا للأمة في مواجهة الظلم والاستبداد.
وبينما يختلف حوله المؤيدون والمعارضون، فإن أثره في الفكر الإسلامي المعاصر يبقى حاضرًا بقوة، وصوته في الذاكرة ما زال يردد: "إن الإسلام دين الحرية والعدالة، ولن تموت أمة فيها مثل هذه القيم".