مع اقتراب الذكرى الثانية لحرب 7 أكتوبر، تتكشف ملامح مرحلة جديدة في الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي. فرغم الثمن الفادح الذي دفعه الشعب الفلسطيني من شهداء وجرحى ودمار واسع، إلا أن هذه الحرب وضعت القضية الفلسطينية في قلب الاهتمام العالمي، وأعادت تصويب البوصلة بعدما حاولت إسرائيل لعقود أن تفرض روايتها الأحادية على العالم.
 

عودة القضية الفلسطينية إلى الواجهة
ومن جهته أشار الكاتب والروائي عمار علي حسن، عن أن أبرز ما جرى خلال العامين الماضيين هو أن القضية الفلسطينية "عادت إلى الواجهة بعد ذبول وأفول"، وأصبحت في عين العالم أكبر وأوضح، بينما "تراجعت سرديات إسرائيل، وذبلت في أذهان أغلبية الناس". هذا التحول بدا جليًا في الإعلام الغربي الذي لم يعد يتبنى خطاب إسرائيل بالكامل كما كان في السابق، بل ظهرت تقارير واستقصاءات تكشف حجم الانتهاكات بحق المدنيين في غزة والضفة الغربية.

 

مكاسب سياسية رغم النزيف الإنساني
الحرب فتحت الباب أمام إنجازات سياسية مهمة، أبرزها:

  • تعطيل مشاريع التطبيع: فقد تراجعت دول كانت على وشك المضي في خطوات علنية نحو التطبيع مع إسرائيل، مثل السعودية، نتيجة ضغط الرأي العام العربي والإسلامي.
  • تحركات في الأمم المتحدة: اتسعت رقعة الدول التي صوّتت لصالح وقف الحرب، ومنحت فلسطين اعترافًا أوسع كدولة مراقب لها حقوق أكبر داخل المنظمة الدولية.
  • توحيد الصف الشعبي: على الرغم من الانقسام الفلسطيني الداخلي، فإن مشاهد الحرب أعادت توجيه الأنظار نحو الاحتلال باعتباره المشكلة الجوهرية، وأعادت للشارع العربي روح التضامن التي خبت لسنوات.
     

الخسائر الاقتصادية لإسرائيل
إلى جانب الفشل السياسي، تكبدت إسرائيل خسائر اقتصادية غير مسبوقة منذ عقود:

  • تراجع الاستثمارات الأجنبية: العديد من الشركات الدولية جمدت مشاريعها أو انسحبت من السوق الإسرائيلي نتيجة عدم الاستقرار.
  • نزيف السياحة: قطاع السياحة الذي يمثل أحد مصادر الدخل الأساسية لإسرائيل تلقى ضربة قاسية، حيث انخفضت أعداد الزائرين بأكثر من 70% في بعض الفترات.
  • التكاليف العسكرية: تقدّر دراسات إسرائيلية أن الحرب كلّفتها عشرات المليارات من الدولارات بين نفقات العمليات العسكرية وتعويضات الداخل والخسائر في البنية التحتية.
     

عزلة سياسية متنامية
لم تقتصر الخسائر على الداخل. في الأوساط الغربية، بدأت سردية إسرائيل تفقد بريقها. فقد خرجت مظاهرات ضخمة في مدن مثل لندن ونيويورك وباريس، يرفع المشاركون فيها الأعلام الفلسطينية، ويطالبون بوقف الدعم غير المشروط لإسرائيل. وأصبح الإعلام الغربي نفسه ينشر تقارير صادمة عن قصف المستشفيات والمدارس ومجازر المدنيين، ما أسهم في تغيير المزاج العام تجاه الاحتلال.
 

جيل "زد": الكلمة القادمة
التحول الأبرز تجلّى في مواقف جيل "زد"، وهو الجيل الأصغر في الغرب (من مواليد منتصف التسعينات حتى 2010 تقريبًا). هذا الجيل، كما يقول عمار علي حسن، "سيكون له الكلمة في قابل الأيام"، وهو اليوم الأكثر نشاطًا على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث لعب دورًا كبيرًا في فضح رواية إسرائيل ونشر صور ومقاطع من غزة تناقض الرواية الرسمية الإسرائيلية.

استطلاعات رأي أميركية حديثة أظهرت أن أكثر من نصف الشباب تحت سن الثلاثين لا يؤيدون الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل، وهو تحول جذري قد يغير شكل السياسات الغربية في المستقبل القريب.
 

بين الألم والأمل
صحيح أن الفلسطينيين تكبدوا خسائر بشرية ومادية هائلة في هذه الحرب، لكن المكاسب السياسية والمعنوية التي تحققت لا يمكن إنكارها. فقد اهتزت سردية إسرائيل أمام الرأي العام الدولي، وبدأت تظهر cracks في جدار الدعم الغربي التقليدي لها، وبرز جيل جديد يرفض أن يكون مجرد مستهلك للرواية الرسمية الإسرائيلية.

وفي النهاية فحرب 7 أكتوبر كانت لحظة فاصلة: كشفت عن عجز إسرائيل عن فرض سيطرتها الكاملة، وعرّت خطابها الدعائي أمام العالم، وأعادت فلسطين إلى قلب النقاش العالمي بعد أن حاولت قوى عديدة طمسها. وبينما يواصل الفلسطينيون دفع ضريبة الدم، فإن التحولات السياسية والفكرية الجارية قد تشكل نواة لمرحلة جديدة من المواجهة، حيث لا يمكن لإسرائيل أن تظل محصنة من النقد أو أن تحتمي بسردياتها القديمة.

إنها حرب أثخنت الجراح، لكنها زرعت أيضًا بذورًا سياسية قد تثمر مستقبلًا أكثر عدلاً لفلسطين وشعبها.