افتتح قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي قصره الجديد بالعاصمة الإدارية، الخميس الماضي، خلال اجتماع قادة مجموعة دول الثماني (مصر، تركيا، إيران، باكستان، بنغلادش، إندونيسيا، نيجيريا، ماليزيا) إضافة لرئيس السلطة الفلسطينية، ورئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، أصغرهم 70 عامًا، داخل إحدى القاعات الفخمة بالقصر.

وتزيد مساحة القصر الشاسعة على المليونين ونصف المليون متر مربع (607 أفدنة)، والتي تبلغ نحو 10 أضعاف حجم البيت الأبيض في الولايات المتحدة.

 

تكلفة القصر

لم تُنشر بيانات رسمية بشأن تكلفة إنجاز القصر الرئاسي الجديد، إلا أن مصادر عدة تداولت تقديرات غير مؤكدة له. وفي "رسالة" وجهها حساب موقع "الموقف المصري" المستقل ، مرفقًا بإنفوجرافيك، إلى السيسي، قال إن صح الرقم المتداول بنحو 220 مليون دولار، فهو يكفي لإنجاز المشروعات الآتية التي تحتاجها مصر:

  • بناء 12.500 فصل دراسي.
  • بناء 1250 مدرسة.
  • مضاعفة التغذية المدرسية.
  • بناء وتطوير 20 مستشفى.
  • 10 مليار رغيف مدعم.
  • دعم نقدي (تكافل وكرامة) لـ 1.6 مليون أسرة.
  • 50 مليون علبة لبن أطفال مدعم.
  • زيادة دعم التموين بـ 29%.
  • إنشاء محطتين لتحلية مياه البحر.
  • إنفاق 100 ألف أسرة على كل شيء.

يأتي ذلك في وقت قفز فيه عدد الفقراء إلى نحو 60 مليونًا من أصل 107 ملايين مواطن تقريبًا في الداخل، وفق تقديرات البنك الدولي، وفقًا لموقع "الحرة".

واستُخدمت في القصر رموز من الحضارة الفرعونية ضمن الهندسة الخارجية خصوصًا، وفي الداخل تزين سقف قاعة رئيسية للاستقبال بخمس آيات قرآنية ورد فيها ذكر مصر، إحداها حملت مفارقة كبيرة بالنسبة للعديد من المصريين الذين انتقدوا مشهدية البذخ العالية عبر محطات التلفزة ولقطات الكاميرات الطائرة، وكانت "ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تُبصرون"(الزخرف: 51).

وتبلغ مساحة العاصمة الإدارية 170 ألف فدان، وتشمل المرحلة الأولى لمشاريعها بناء مقار حكومية، ومدينة طبية عالمية، وأخرى رياضية، وقرية ذكية، وقاعات مؤتمرات دولية، ومدينة معارض، ومناطق خدمية وتعليمية، إضافة إلى مناطق للمال والأعمال، وطرق حضارية، وفق بيانات الرئاسة المصرية.

و⁠أطلقت حكومة السيسي مرحلة ثانية بداية العام الجاري 2024 بتكلفة تصل إلى 10 مليارات دولار.

وفي عام 2019، قدّر رئيس مجلس إدارة شركة العاصمة السابق، أحمد زكي عابدين، تكلفة المدينة للسنوات التالية بنحو 58 مليار دولار، "من مبيعات الأراضي والاستثمارات الأخرى".

وبين الامتعاض والإشادة، غزت صور ومقاطع فيديو ومعلومات متضاربة عن القصر الرئاسي الجديد وسائل التواصل الاجتماعي، خلال الأيام الماضية، ليس بين المصريين فحسب، إنما لآخرين خارجها.

 

القصر وديون مصر

أثارت مشاهد استعراض القصر الرئاسي الجديد، الخميس الماضي، حتى الآن الكثير من انتقادات المصريين، الذين رأوا فيه مثالًا صارخًا على التناقض في الرؤية الحكومية والواقع على الأرض الذي يعاني معه نحو 60% من سكان مصر، الذين يعيشون إما تحت خط الفقر أو قريبًا منه.

وفي عام 2022، نشرت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) دراسة عن الفقر باستخدام أول مؤشر وطني للفقر متعدد الأبعاد (MPI)، ورد فيه أن أكثر من شخص بين كل 5 أشخاص (21% من السكان) يعاني من الفقر متعدد الأبعاد.

ووفق التقرير، يُعتبر الشخص فقيرا إذا كان يعاني من الحرمان في 29% أو أكثر من 19 مؤشرًا عبر 7 أبعاد تشمل: التعليم، الصحة، السكن، الخدمات، التوظيف، الحماية الاجتماعية، والأمن الغذائي (ما يعادل الحرمان في بُعدين أو أكثر من الأبعاد السبعة).

مضافًا لذلك، فإن مصر تعاني من ديون خارجية تقدر من 160.6 مليار دولار، وفق بيانات نشرها البنك المركزي في أغسطس الماضي.

ومنذ عام 2015، زادت الديون الخارجية لمصر التي يبلغ تعداد سكانها أكثر من 107 مليون نسمة، بمقدار 4 أضعاف لتمويل إنشاء عاصمة جديدة، وبناء بنية تحتية، وشراء أسلحة، ودعم الجنيه الذي تم تعويمه من قبل.

واتهم البعض حكومة السيسي باستخدام المال العام لبناء القصور والعاصمة الإدارية نفسها، إذ لا يرى العديد من المواطنين أن ذلك يمثل أولوية لدولة تعاني من أزمات اقتصادية عدة، خصوصًا أن السيسي لطالما كرر في تصريحاته أهمية أن يصبر الناس ويتقشفوا في استهلاكهم ويتناولوا طعامًا بسيطًا، وبأنه يسعى عبر خططه و"رؤية مصر 2030" للحد من الفقر بأشكاله والقضاء على الجوع.

 

مصر تحتاج تريليوني دولار

ومن المفارقات العجيبة أن السيسي صرح بأن مصر تحتاج إلى ميزانية سنوية تتراوح بين تريليون وتريليوني دولار، وهو ما يعادل نحو 50 تريليون جنيه، لتلبية احتياجات الإنفاق السنوي.

جاء ذلك خلال زيارة تفقدية إلى مقر أكاديمية الشرطة، حيث إنه أجرى حوارًا مع طلبة الأكاديمية تناول فيه الأوضاع الداخلية والإقليمية والدولية، وفقًا لـ"عربي 21".

وأوضح السيسي أن هذه الاحتياجات التمويلية تشمل قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم والدفاع والداخلية والاستثمار، مشيرًا إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للدولة يبلغ نحو 18 تريليون جنيه.

وأشار إلى أن إجمالي الموازنة العامة للدولة يبلغ ثلاثة تريليونات جنيه، موضحًا أن نصف هذا المبلغ يُدفع كفوائد للدين الداخلي.

ولفت السيسي إلى أن مصر لا يوجد أمامها سوى العمل والصبر، مشددًا على ضرورة وضع أفكار لمواجهة التحديات وفقًا للموارد المتاحة.

 

30 قصرًا

وقبل القصر الرئاسي الذي استقبل مجموعة الدول النامية الثمانية (D-8)، تم تشييد قصرين آخرين في عهد السيسي، أحدهما في مدينة العلمين في الساحل الشمالي لمصر، والثاني في العين السخنة على البحر الأحمر.

كما تم تطوير وتحديث قصور تاريخية، أبرزها قصر الاتحادية (العروبة) في ضاحية مصر الجديدة، شرقي القاهرة.

وعدا عن هذه القصور، تمتلك مصر مجموعة قصور من الحقبة الملكية، لا تزال صالحة للاستخدام، وتم ترميم العديد منها لتتناسب وفعاليات ثقافية ورسمية على أشكالها، منها قصر عابدين، والمنتزه، والقبة، ورأس التين، والبارون، والأمير محمد علي، وسعيد باشا، والجوهرة.

ووفق وسائل إعلام محلية يُقدّر عدد القصور بأكثر من 30 قصرًا واستراحة رئاسية، لكن أغلبها لم يُستغل بالشكل الصحيح، خصوصًا أن العديد منها تحوّل لمزارات ومتاحف.