مع استمرار العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة وسقوط المزيد من الضحايا الفلسطينيين، يتساءل الكثيرون عن دور مصر الحقيقي فيما يجري، خاصة بعد زيارة رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، رونين بار، للقاهرة. وقد اقترن هذا اللقاء بمبادرة من رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي لوقف إطلاق النار، ما يطرح أسئلة حقيقية حول أهداف السيسي وإسرائيل وراء هذا التحرك، وإن كانت مؤامرة جديدة تهدف إلى القضاء على المقاومة الفلسطينية وتفتيت موقفها.

التواطؤ الواضح بين السيسي وإسرائيل
زيارة رئيس الشاباك إلى مصر لم تكن مجرد لقاء دبلوماسي عادي، بل تعد تواصلًا استثنائيًا بين نظام السيسي والإسرائيليين في مرحلة حساسة يواجه فيها الشعب الفلسطيني أبشع أنواع العدوان والجرائم. التوقيت ليس صدفة؛ ففي وقتٍ كان يتصاعد فيه التضامن العربي والعالمي مع القضية الفلسطينية ومع المقاومة، برز السيسي بطرح مبادرة هدنة تزامنًا مع وجود رئيس الشاباك في القاهرة، وكأنه يتخذ دوره كوسيط محايد.

لكن الحقائق تشير إلى أن مصر، بقيادة السيسي، تتعاون أمنيًا مع إسرائيل بشكلٍ أعمق من أي وقت مضى، خاصة في مسائل تخص قطاع غزة، حيث يسعى السيسي للحفاظ على رضا إسرائيل والحصول على دعمها السياسي في مقابل تجاهلها للانتهاكات القمعية التي يمارسها نظامه في الداخل. فمبادرة السيسي هذه، بحجة "التخفيف من معاناة الفلسطينيين"، هي في الواقع محاولة لحماية مصالح إسرائيل الأمنية والاستراتيجية، وتأمين مصالحه الشخصية الضيقة.

مبادرة مشبوهة وأهداف خفية
طرح السيسي لوقف إطلاق النار يطرح الكثير من الأسئلة، فلماذا يطالب بوقف إطلاق النار الآن تحديدًا؟ ما الذي يحاول أن يحققه من هذا التحرك؟ المبادرة التي جاءت بعد لقاء رئيس الشاباك بالمخابرات المصرية، تأتي في سياق خدمة واضحة للمصالح الإسرائيلية، حيث تهدف إسرائيل إلى إضعاف المقاومة الفلسطينية وتحجيمها في حدود معينة، بل والقضاء عليها بشكل غير مباشر. السيسي هنا يقدم الدعم لهذه الاستراتيجية من خلال طرح هدنة في وقت تحتاج فيه المقاومة إلى دعم ميداني وشعبي، لا إلى ضغوط سياسية لوقف تصعيدها ضد العدوان.

تبادل الأسرى والتهدئة المؤقتة
تشير تقارير إلى أن إسرائيل تسعى من وراء هذه الهدنة إلى استعادة بعض جنودها الأسرى لدى حماس، وتبادل الأسرى ضمن شروط تفرضها تل أبيب وتدعمها القاهرة، حيث يكون المكسب الحقيقي لإسرائيل بالدرجة الأولى. يبدو أن السيسي يقدم نفسه كوسيط لهذه العملية، وهو في الواقع يلعب دورًا لخدمة الاستراتيجية الإسرائيلية، في تكريس تفاوضٍ لا يهدف إلا إلى إضعاف المقاومة وإيقاف أي تقدم يُسجل لصالح الفلسطينيين على الساحة الدولية.

التهدئة المؤقتة ليست سوى ذريعة لإسرائيل لالتقاط أنفاسها، وترتيب أوضاعها، وتمديد عدوانها بشكل أكثر تنظيماً، مما يمنحها الوقت لإعداد استراتيجيات جديدة لقمع المقاومة. ومن المؤسف أن السيسي يشترك في هذه الخطة ويعمل على دعمها، مقدمًا بذلك ورقة أمان لإسرائيل على حساب الدماء الفلسطينية.

السيسي والإملاءات الإسرائيلية
لطالما كان موقف السيسي تجاه القضية الفلسطينية قائمًا على أساس مصالح نظامه الضيقة، حتى لو كانت تتعارض مع مصالح الشعب المصري أو تخون دعم القضية الفلسطينية، وهو ما يظهر بشكل واضح من خلال السياسات التي اتبعها منذ توليه السلطة. فمن فرض الحصار على قطاع غزة، والتضييق على حركة المقاومة، إلى التنسيق الأمني المكثف مع إسرائيل. يمكن القول إن السيسي يستغل القضية الفلسطينية كورقة يضمن بها تأييد القوى الدولية، متجاهلًا الإرادة الشعبية الرافضة للتطبيع أو التعاون مع الكيان الصهيوني.

تواطؤ السيسي مع إسرائيل في هذا الظرف الحساس يعكس إملاءات إسرائيلية لتصعيد حالة الانقسام داخل الصف الفلسطيني، حيث يتمثل الهدف المشترك في تحجيم أي دور للمقاومة قد يقلب الموازين، ويهدد أمن إسرائيل.

مؤامرة للقضاء على المقاومة
السيسي لا يمثل مصر كداعم حقيقي للقضية الفلسطينية، بل يسعى لخدمة مصالحه الشخصية وتحقيق الاستقرار السياسي لنظامه عبر عقد تحالفات مشبوهة مع الكيان الإسرائيلي، وتحقيق التزامات مشروطة بالرضا الإسرائيلي. وفي الوقت الذي كان ينبغي أن يتحرك فيه لدعم المقاومة، يصب السيسي اهتمامه على مبادرات تنفذ سياسة خبيثة تتماشى مع خطة إسرائيل للقضاء على المقاومة على مراحل.

فالهدنة ليست إلا خطوة أولى في محاولةٍ إسرائيلية، بمساعدة السيسي، لفرض واقع جديد على الأرض، حيث تخدم هذه الهدنة أهدافًا أمنية إسرائيلية تهدف إلى تهيئة الظروف لاستكمال عدوانها، مع كبح جماح المقاومة وإضعاف معنويات الشعب الفلسطيني.
ختاما؛ التاريخ لن ينسى هذه اللحظة، ولن يغفر للسيسي هذا التواطؤ والتآمر مع إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. إن موقف السيسي من الهدنة وطرحه لمبادرات غير واقعية في هذا التوقيت الحساس، إلى جانب التنسيق الأمني والسياسي مع إسرائيل، ليس إلا تعبيرًا عن خيانة عظمى للقضية الفلسطينية. بدلًا من دعم المقاومة، اختار السيسي الوقوف في صف العدوان، مما يجعل من دوره كارثة إضافية للشعب الفلسطيني ويعكس خيانته الصريحة لأبسط مبادئ الدعم العربي للقضية الفلسطينية.