في زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى القاهرة في 15 أكتوبر، التقى برئيس الانقلاب المصري عبد الفتاح السيسي لتعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين. وأسفرت  الزيارة عن توافقات جديدة لتسريع إجراءات نقل ملكية جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية. كما تم الاتفاق على استثمار سعودي بقيمة 15 مليار دولار في شبه جزيرة رأس بناس، ما يعزز التساؤلات حول مصير السيادة المصرية وأسباب الاستمرار في بيع الأراضي والموارد، في وقت يزداد فيه فقر المواطنين.

تفاصيل الصفقة واستثمارات رأس بناس
منذ أن بدأت المناقشات حول تيران وصنافير عام 2016، تعالت الأصوات حول تفريط النظام المصري في سيادة البلاد مقابل مكاسب مالية غير واضحة الأثر على الشعب. الجزيرة الواقعة عند مضيق تيران، تشكل نقطة استراتيجية مهمة في البحر الأحمر، وترتبط باتفاقيات أمنية مع إسرائيل منذ معاهدة كامب ديفيد 1979. كان من بين شروط التسليم، وفقًا لمصادر "العربي الجديد"، إخطار الأطراف المعنية مثل الولايات المتحدة وإسرائيل لضمان استمرارية الترتيبات الأمنية المقررة بين الدول الثلاث، مع إيداع خطاب تسليم الجزيرتين في الأمم المتحدة خلال نوفمبر المقبل.

إلى جانب تيران وصنافير، تم إقرار عقد استثمار سعودي إضافي في شبه جزيرة رأس بناس، بما يعزز السيطرة الاقتصادية السعودية في مصر. رأس بناس، التي تمتد بطول 50 كيلومتراً على البحر الأحمر وتبعد نحو 350 كيلومتراً عن الأقصر، تعتبر منطقة استراتيجية وثروة طبيعية هامة، وتضم قرى صيادين تتأثر أيضًا بالمشروع السعودي المتوقع.

دوافع الاتفاقية وتأثيرها على السيادة
تثير هذه الاتفاقيات علامات استفهام عديدة حول أسباب التفريط في سيادة مصر على أراضيها الحساسة واستمرار الحكومة في اللجوء إلى بيع الأصول الإستراتيجية للبلاد. وتوضح التقارير أن توقيع اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمارات بين مصر والسعودية كان أساسيًا لإتمام صفقات ضخ استثمارات سعودية أخرى، حيث تتعهد الحكومة المصرية بموجب الاتفاقية بضمان استقرار الاستثمارات السعودية بغض النظر عن التغيرات السياسية، مما يضع الأمن القومي تحت ضغوط غير مسبوقة.

ورغم ضخامة قيمة هذه الاستثمارات، التي يفترض أن تقدم دفعة قوية للاقتصاد المصري المتعثر، فإن الواقع يشير إلى فشل المشروعات السابقة في تحقيق أثر ملموس على حياة المواطنين. في ظل ارتفاع نسب الفقر والبطالة، يرى العديد من المحللين أن مثل هذه الاستثمارات الكبرى لم تغير شيئًا من أوضاع الشعب المصري.

التساؤلات حول مصير عوائد البيع والاستثمار
تبرز هنا تساؤلات حادة حول مصير مليارات الدولارات المتوقع وصولها من هذه الاتفاقيات؛ فعلى الرغم من وعود الحكومات المتتالية بتحقيق الرفاهية والنمو، تظل مستويات المعيشة في مصر في تراجع مستمر. تشير التقديرات إلى أن الأموال المتأتية من بيع أصول البلاد لا تنعكس على البنية التحتية أو الصحة أو التعليم، حيث يرى مراقبون أن نسبة كبيرة من هذه العوائد تتجه لتسديد ديون الدولة المتزايدة والتزاماتها الخارجية.

تيران وصنافير: بين الأمن القومي وتبعية المعاهدات
أثار تسليم تيران وصنافير قلقاً واسعاً من تبعاته الأمنية، إذ ترتبط الجزيرتان بترتيبات أمنية مع إسرائيل وفق معاهدة كامب ديفيد. وتنص هذه المعاهدة على إبقاء الجزيرتين خاضعتين لإشراف قوات متعددة الجنسيات لضمان المرور الآمن عبر المضيق، مما يستدعي تأمين الاتفاق مع إسرائيل والولايات المتحدة قبل التسليم الرسمي.

وكان رئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي رونين بار قد زار القاهرة في 20 أكتوبر، والتقى رئيس المخابرات العامة المصرية حسن رشاد لمناقشة الترتيبات الأمنية النهائية. يرى بعض المراقبين أن بيع تيران وصنافير واستكمال ترتيبات نقلها قد يجعل مصر أكثر ارتباطاً باتفاقيات أمنية جديدة، قد تضع سيادة القرار المصري تحت تأثير قوى إقليمية ودولية.

رأس بناس: محطة اقتصادية استراتيجية
يمثل بيع رأس بناس مثالاً آخر على توجه الحكومة المصرية نحو بيع الأصول الإستراتيجية دون شفافية كافية حول تأثيره على المدى الطويل. ورغم ما تشكله من ثروات طبيعية وفرص تنموية، إلا أن عقد الاستثمار السعودي لا يوفر رؤية واضحة حول مستقبل التنمية والاستدامة في المنطقة.
ينظر المصريون إلى هذه الصفقات بتوجس شديد، إذ يتساءلون عن مستقبل سيادة البلاد على أراضيها الحيوية وما إذا كانت تلك الاستثمارات ستعود بالنفع الحقيقي على الاقتصاد أم أنها ستبقى رهينة للتوجهات السياسية الإقليمية.

الختام: مصر للبيع؟
تعكس هذه الخطوات مساراً يثير مخاوف عديدة حول مستقبل السيادة المصرية، وحول مدى اهتمام الحكومة بتحقيق مكاسب مالية قصيرة الأمد على حساب المصالح الاستراتيجية. ومع ازدياد أعباء المعيشة وتفاقم معدلات الفقر، يصبح التساؤل ملحًا حول مدى كفاءة النظام في إدارة ثروات الدولة ومقدراتها.
مصر، التي تمتعت بتاريخ طويل من الاستقلال والسيادة، تبدو اليوم في مواجهة استنزاف مستمر لمواردها وأراضيها، فيما تتفاقم أزمات الشعب بدون حلول حقيقية.