يثير الكشف عن الزيارة السرية التي قام بها رئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي، رونين بار، إلى القاهرة في الأحد الماضي، تساؤلات جديدة حول دور رئيس الانقلاب المصري عبد الفتاح السيسي في القضية الفلسطينية، وما إذا كانت هناك دوافع شخصية وراء مواقفه تجاه غزة ومسار المفاوضات المعطلة.

وفقاً لموقع "واللا" العبري، ناقش رونين بار مع رئيس المخابرات المصرية عباس كامل عدة ملفات حساسة، أبرزها الجمود الذي تواجهه مفاوضات صفقة تبادل الأسرى مع المقاومة الفلسطينية، بالإضافة إلى الأوضاع حول محور فيلادلفيا ومعبر رفح، وهما نقطتان محورتان في الصراع الجاري بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية في غزة.

محور فيلادلفيا ومعبر رفح: ساحة صراع جديدة
يمثل محور فيلادلفيا، الذي يفصل بين قطاع غزة ومصر، واحدًا من الملفات الأكثر تعقيدًا في المحادثات بين إسرائيل ومصر. فقد بسطت قوات الاحتلال سيطرتها على المحور منذ شهور، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة نتيجة إغلاق معبر رفح، المنفذ البري الوحيد الذي يربط القطاع مع العالم الخارجي عبر الأراضي المصرية.

الاحتلال الإسرائيلي نشر مؤخرًا أبراج مراقبة وكاميرات على طول محور فيلادلفيا، ما يزيد من تأكيد تمسكه بهذا الموقع الاستراتيجي. وفي الوقت نفسه، يواصل الجيش الإسرائيلي إغلاق معبر رفح، مما يزيد الضغط على سكان غزة ويعرقل أي تقدم في المفاوضات الرامية لإيجاد حل وسط بين المقاومة الفلسطينية وحكومة الاحتلال.

السيسي ودوره في المفاوضات: أين المصلحة المصرية؟
منذ اندلاع الحرب على غزة في 7 أكتوبر، يحاول الوسطاء المصريون لعب دور حاسم في تحريك المفاوضات. وعلى الرغم من الجهود المبذولة، لا تزال المفاوضات تواجه طريقًا مسدودًا، خصوصًا في ظل تعنت حكومة الاحتلال ورفضها التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن صفقة تبادل الأسرى وفتح معبر رفح.
لكن هنا تتصاعد التساؤلات حول الدور الحقيقي للسيسي في هذا الملف. فهل يدفع السيسي باتجاه حل الأزمة لمصلحة الشعب الفلسطيني، أم أن هناك مصالح مصرية خاصة – وربما شخصية – هي التي تسيطر على قراراته؟

لقاءات سرية وتسريبات: ما بين المعلن والخفي
زيارة رونين بار إلى القاهرة ليست الأولى من نوعها، فقد سبقتها زيارة مشتركة لرئيس الشاباك ورئيس الموساد في أغسطس، وهو ما يشير إلى أن التعاون الأمني بين مصر وإسرائيل قد شهد تطورًا لافتًا خلال الفترة الأخيرة. وهذه اللقاءات تأتي في وقت حساس جدًا، حيث تواجه مصر ضغوطًا إقليمية ودولية للتوسط في الأزمة، بينما تشكك أطراف عديدة في نوايا السيسي الحقيقية.

ما يدعو للتساؤل هو أن هذه الزيارات تتزامن مع تصريحات ومواقف رسمية من الجانب الإسرائيلي تشير إلى أن بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الاحتلال، يسعى لتمديد فترة الحرب على غزة وتعطيل أي جهود للتوصل إلى وقف إطلاق النار. ويرى بعض المحللين الإسرائيليين أن نتنياهو يستخدم هذه الحرب كورقة لضمان استمراره في السلطة وتجنب المحاكمة على خلفية الهجوم المفاجئ الذي شنته المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر.

هل السيسي جزء من المشكلة؟
تشير بعض الأصوات المعارضة إلى أن السيسى قد يكون جزءًا من التعقيد الحالي، بدلًا من كونه جزءًا من الحل. فالسيسي، الذي يعتمد في جزء كبير من شرعيته السياسية على استقرار علاقاته مع القوى الدولية والإقليمية، قد يجد في استمرار الحرب فرصة لتعزيز موقعه الإقليمي والتأكيد على دوره كوسيط رئيسي في الأزمة.

لكن على الجانب الآخر، يتهمه منتقدوه بأنه يساوم على القضية الفلسطينية مقابل الحفاظ على دعم إقليمي ودولي، خصوصًا من الولايات المتحدة وإسرائيل. فالسيسي يعتمد على دعم هذه الأطراف، سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية، مما يضعه في موقف صعب بين الالتزامات الدولية ومتطلبات الأمن القومي المصري.

نتنياهو والعقبات أمام الحلول
من جانب آخر، يشير مراقبون إلى أن بنيامين نتنياهو يستخدم محور فيلادلفيا ومعبر رفح كورقة ضغط لإبقاء الأوضاع في غزة مشتعلة. فمن خلال السيطرة على هذه النقاط الحساسة، يضمن نتنياهو استمرار الحصار على القطاع وتعطيل أي مساعي لوقف إطلاق النار. ورغم محاولات الوسطاء المصريين دفع العملية التفاوضية، إلا أن نتنياهو يبدو مصممًا على مواصلة الحرب لتحقيق مكاسب سياسية داخلية، مستغلًا الوضع الأمني المتدهور للبقاء في السلطة.

مصالح متبادلة على حساب القضية الفلسطينية؟
في ظل هذه التعقيدات، تتصاعد الشكوك حول ما إذا كان السيسي يسعى حقًا إلى حل الأزمة الفلسطينية أم أنه يستخدمها كورقة تفاوضية لتعزيز مصالحه الشخصية والإقليمية. فالتعاون الأمني المكثف بين مصر وإسرائيل في الآونة الأخيرة، إلى جانب اللقاءات السرية التي يجريها المسؤولون الإسرائيليون مع نظرائهم المصريين، يعزز من هذا الشك.
ورغم الجهود العلنية التي تبذلها مصر لتحريك المفاوضات، يبدو أن هناك توازنًا دقيقًا بين الحفاظ على العلاقات مع إسرائيل وضمان الاستقرار الداخلي والإقليمي. ولكن في نهاية المطاف، يظل السؤال المطروح: هل باتت القضية الفلسطينية مجرد ورقة للمساومة بين القادة، في ظل معاناة مستمرة للشعب الفلسطيني الذي يدفع الثمن الأكبر؟