في مشهد يثير القلق بشأن مستقبل الديمقراطية الأمريكية، أشار المرشح الجمهوري للرئاسة والرئيس السابق دونالد ترامب إلى إمكانية استخدام الجيش ضد مواطنيه الذين وصفهم بأنهم "عدو من الداخل." هذه التصريحات جاءت خلال مقابلة له على قناة "فوكس نيوز" ضمن برنامج "صنداي مورنينغ فيوتشرز".
أثار هذا التوجه ردود فعل غاضبة من الحزب الديمقراطي، حيث تم استدعاء ذاكرتين عن زعماء استخدموا الجيش ضد مواطنيهم في ظل نظام استبدادي، وأبرزهم رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، الذي لجأ إلى الجيش لقمع معارضيه وفرض سيطرة صارمة على البلاد.
تصريحات ترامب المقلقة
خلال حديثه، قال ترامب إن "المشكلة الكبرى تكمن في العدو الداخلي وليس في الأشخاص الذين دخلوا بلادنا ودمروها"، في إشارة واضحة إلى بعض المواطنين الأميركيين، وليس إلى المهاجرين. وأضاف أن "مجانين اليسار المتطرف" هم من يشكلون التهديد الأكبر على الولايات المتحدة، مدعيًا أن التعامل معهم إذا اقتضت الحاجة يجب أن يتم من قبل الحرس الوطني أو حتى من قبل الجيش الأميركي.
ترامب، الذي لطالما أثار الجدل بتصريحاته وتصرفاته السياسية، زعم في المقابلة أن هناك خطرًا داخليًا يتفوق على الخطر الخارجي من دول مثل الصين وروسيا.
هذه التصريحات أعادت إلى الأذهان تحركات زعماء في التاريخ الذين استخدموا أدوات الدولة لقمع معارضيهم السياسيين، مثلما فعل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في عام 2013 عندما استخدم الجيش لقمع الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية، مما أدى إلى مقتل المئات وسجن الآلاف من المعارضين.
رد فعل الديمقراطيين
فورًا، جاء الرد من حملة نائبة الرئيس كامالا هاريس، التي تخوض السباق الرئاسي أمام ترامب في الانتخابات القادمة. وقال المتحدث باسم حملة هاريس، إيان سامز: "إن وصف مواطنيه بأنهم أعداء أسوأ من الخصوم الأجانب واستخدام الجيش ضدهم أمر يجب أن يثير قلق الأميركيين".
هذه التصريحات تضاف إلى المخاوف التي أعرب عنها الديمقراطيون بشأن ما قد يعنيه انتخاب ترامب لولاية جديدة، خاصة بعد تعهده العلني بأن يكون دكتاتورًا منذ اليوم الأول، إلى جانب إشارته إلى إمكانية السماح بإلغاء الدستور، وهو أمر غير مسبوق في السياسة الأميركية الحديثة.
ترامب ومعاداته للمهاجرين
في سياق آخر، لم يكن حديث ترامب موجهًا فقط ضد ما وصفه بـ"العدو الداخلي"، بل كرر أيضًا مواقفه المعادية للمهاجرين خلال خطاب انتخابي في ولاية أريزونا. زعم ترامب أن إدارة بايدن ونائبته هاريس قامتا بـ"استيراد جيش من المهاجرين غير النظاميين"، مما أثار الجدل مجددًا حول سياسات الهجرة في الولايات المتحدة.
وعد ترامب بأنه في حال انتخابه رئيسًا مرة أخرى، سيوظف 10 آلاف عنصر إضافي في حرس الحدود، وسيزيد رواتبهم بنسبة 10%، في محاولة لاستمالة أصوات المحافظين القلقين من سياسات الهجرة الحالية.
هل يعيد ترامب تكرار السيناريو المصري؟
من الواضح أن تصريحات ترامب تعكس توجهًا مقلقًا نحو استخدام أدوات القوة العسكرية ضد الشعب، مما قد يفتح الباب أمام مقارنات بينه وبين زعماء مستبدين آخرين، مثل السيسي. يُذكر أن السيسي استغل الانقسامات السياسية والصراع بين الفصائل المدنية والليبرالية والإسلامية لتبرير تدخل الجيش في الشأن الداخلي.
إذا مضى ترامب في تنفيذ هذه السياسات، فإن ذلك قد يهدد بتصاعد العنف الداخلي في الولايات المتحدة، كما شهدنا في هجوم أنصاره على مبنى الكابيتول في السادس من يناير 2021، حين حاولوا تعطيل التصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية.
انتخابات معقدة ومستقبل مجهول
بينما تتبقى أسابيع قليلة فقط على موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في 5 نوفمبر، تظهر استطلاعات الرأي تقاربًا بين ترامب وهاريس. لكن هاريس تواجه تحديات صعبة في كسب دعم بعض الفئات المؤثرة في الانتخابات، مثل الناخبين السود واللاتينيين، حيث أشارت استطلاعات للرأي إلى أنها قد تفقد نسبة كبيرة من الدعم مقارنة بالرؤساء الديمقراطيين السابقين.
ففي استطلاع أجرته صحيفة نيويورك تايمز وكلية سيينا، حصلت هاريس على أقل من 60% من نيات التصويت في المجتمع اللاتيني، وهو ما يمثل أدنى مستوى دعم لمرشح ديمقراطي في هذه الفئة خلال العقدين الماضيين.
هل يستعد ترامب لتكرار سيناريو استبدادي؟
ترامب، الذي واجه انتقادات واسعة بسبب تصريحاته المثيرة للجدل حول الجيش والدستور والمهاجرين، يضع الولايات المتحدة أمام مفترق طرق. من جهة، يعزز من مواقفه الصارمة لاستمالة اليمين المحافظ، ومن جهة أخرى، يثير المخاوف بشأن مستقبله في الحكم إذا فاز في الانتخابات القادمة.
إذا كان ترامب مستعدًا لاستخدام الجيش لقمع خصومه السياسيين، فإن هذا الأمر قد يعيد للأذهان سيناريوهات قاتمة عاشتها دول أخرى. هل سيصبح ترامب "سيسي أميركا"، ويستخدم الجيش لفرض سيطرته وقمع معارضيه؟ الأيام القادمة ستكون حاسمة في تحديد مصير الديمقراطية الأميركية.