في السنوات الأخيرة، شهدت مصر سلسلة من حوادث القطارات المروعة التي أسفرت عن وقوع العديد من القتلى والجرحى. وعلى الرغم من تكرار هذه الحوادث وارتفاع أعداد الضحايا، فقد لوحظ أن الإعلام المصري الموالي لرئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي يتعامل معها بتجاهل أو تبريرات خافتة، مقارنةً بما كان يحدث خلال فترة حكم الرئيس الدكتور محمد مرسي، حيث كانت التغطية الإعلامية لحوادث القطارات تتم بتضخيم واضح ومطالبات صريحة بتحمل القيادة مسؤولية هذه الكوارث.

هذا التناقض الصارخ في المعالجة الإعلامية يطرح تساؤلات حول أسباب هذا الصمت الإعلامي اليوم وتبريراته، وكيفية ارتباط ذلك بالدور الذي يلعبه الإعلام في تعزيز السلطة والحفاظ على استقرار النظام الحالي.

حوادث القطارات: استمرار الإهمال والتكرار
في ظل حكم السيسي، شهدت مصر العديد من الحوادث المريرة المتعلقة بالسكك الحديدية، التي تُعد من أكثر أنظمة النقل استخدامًا من قبل المواطنين. في عام 2021، على سبيل المثال، وقع حادث قطار في محافظة سوهاج أدى إلى وفاة أكثر من 30 شخصًا وإصابة العشرات، وهو واحد من بين العديد من الحوادث التي تحدث بشكل متكرر نتيجة الإهمال والفساد وسوء الإدارة.

إلا أن هذه الحوادث، رغم خطورتها وتأثيرها الكبير على حياة المصريين، لم تلقَ نفس القدر من التغطية الإعلامية المكثفة والنقد اللاذع الذي شهدناه في الفترة التي كان فيها الرئيس مرسي في السلطة. خلال فترة حكم مرسي، كانت حوادث القطارات محط تركيز كبير من وسائل الإعلام التي اعتبرت أي حادثة فرصة لتوجيه الانتقادات اللاذعة للرئيس وحكومته. وكانت وسائل الإعلام تحمّله شخصيًا المسؤولية عن كل حادث باعتباره رأس السلطة التنفيذية.

مقارنة بين التغطية الإعلامية في عهد مرسي والسيسي
أثناء حكم الرئيس مرسي، كان الإعلام المصري متحالفًا بشكل كبير مع القوى المناهضة له، بما في ذلك النظام العسكري، وهذا أدى إلى تغطية إعلامية مكثفة لأي أزمة أو حادث، بما في ذلك حوادث القطارات. كانت هذه التغطية تهدف إلى إظهار مرسي وحكومته على أنهم غير قادرين على إدارة شؤون البلاد، وكانت الأصوات الإعلامية تطالب مرسي بالاستقالة وتحميله شخصيًا مسؤولية كل حادث.

في المقابل، خلال عهد السيسي، نجد أن الإعلام يتعامل مع هذه الحوادث بشكل مختلف تمامًا. يتم تقديم الحوادث غالبًا على أنها نتائج للإهمال الطويل في أنظمة النقل القديمة أو يتم تحميل مسؤوليتها لأطراف ثانوية، دون تحميل الحكومة أو السيسي نفسه المسؤولية المباشرة. ويتم غالبًا تبرير هذه الحوادث بأن الدولة تعمل على تطوير منظومة السكك الحديدية، وأن هذه الحوادث جزء من تحديات التنمية.
هذا التباين يعكس التحول في الدور الذي يلعبه الإعلام المصري تحت إدارة السيسي. حيث أصبح الإعلام المصري أداة في يد السلطة لتعزيز صورة النظام بدلاً من ممارسة دوره في الرقابة على الحكومة ومحاسبتها.

الإعلام في خدمة النظام: مبررات الصمت
يمكن تفسير هذا الصمت الإعلامي تجاه حوادث القطارات بعدة عوامل، أبرزها السيطرة الكاملة للنظام الحالي على وسائل الإعلام في مصر. بعد الإطاحة بمرسي في 2013، شهدت مصر حملة واسعة لقمع الأصوات المعارضة وتكميم الأفواه الإعلامية التي كانت تنتقد النظام. أصبحت وسائل الإعلام المصرية تتبع نهجًا موحدًا يهدف إلى تعزيز صورة الدولة ورئيسها بدلاً من تسليط الضوء على الفشل الحكومي أو المشكلات الهيكلية التي تواجهها البلاد.
ومن الأسباب الأخرى التي تساهم في صمت الإعلام عن حوادث القطارات هو رغبة النظام في تجنب الانتقادات التي قد تؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار أو إلى تزايد الغضب الشعبي. فالنظام الحالي يعتمد بشكل كبير على الحفاظ على الاستقرار والتأكيد على إنجازاته الاقتصادية والتنموية، وأي انتقاد قد يفتح الباب للتشكيك في هذه الإنجازات.

الإعلام المصري في ظل حكم السيسي يُعتمد عليه كأداة للترويج للرواية الرسمية للدولة. وحوادث القطارات، إذا تم التركيز عليها بشكل سلبي، قد تضعف هذه الرواية وتؤثر على شرعية النظام أمام الشعب، خاصة في ظل تزايد الغضب الشعبي من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتدهور الخدمات العامة.

أزمة المسؤولية والشفافية
من بين القضايا الأساسية التي تبرز عند تناول حوادث القطارات في مصر هي غياب الشفافية والمساءلة. في فترة مرسي، كان الإعلام يحمل الحكومة مسؤولية كل حادث بشكل مباشر، أما في عهد السيسي، فإن الخطاب الرسمي يركّز على تحميل المسؤولية لموظفين صغار أو لإدارات فاسدة، دون الإشارة إلى المسؤولية السياسية للنظام.

هذا التحول في طريقة التعامل مع الكوارث العامة يعكس أزمة أعمق في مصر، وهي غياب ثقافة المساءلة والشفافية. فالنظام الحالي يسعى للحفاظ على صورته الإيجابية أمام الرأي العام، حتى وإن كان ذلك على حساب معالجة المشكلات الحقيقية التي تواجه المواطنين.
ختاما ؛في الوقت الذي تزداد فيه حوادث القطارات وتستمر في إزهاق أرواح المصريين، يظل الإعلام المصري الرسمي صامتًا أو غير مكترث، مما يعكس تحوله إلى أداة في يد النظام لتلميع صورته وحمايته من الانتقادات. هذا التباين بين التغطية الإعلامية لحوادث القطارات في عهد مرسي والسيسي يشير إلى طبيعة الدور الذي يلعبه الإعلام في مصر اليوم، كأداة لتعزيز السلطة بدلاً من مساءلتها.

في ظل هذه الظروف، تظل حياة المواطن المصري في خطر، بينما تُستخدم وسائل الإعلام لتعزيز السرد الحكومي بدلاً من تسليط الضوء على الفشل المتكرر في توفير السلامة والخدمات العامة للمواطنين.