تعتبر تجربة الدكتور باسم عودة، وزير التموين الأسبق في حكومة الرئيس محمد مرسي، واحدة من التجارب الناجحة التي تسلط الضوء على قدرة الشخصيات القادرة على إحداث تغيير إيجابي، رغم ما واجهته من مقاومة شديدة من الدولة العميقة. تولى عودة الوزارة لمدة ستة أشهر، من يناير إلى يوليو 2013، ولكنه تمكن خلالها من تنفيذ سياسات هامة رفعت من جودة السلع الغذائية وحسّنت من مستوى الدعم، مما يبرهن على أهمية الكفاءة والنزاهة في إدارة الموارد العامة.

نجاحات عودة في الوزارة
كان للدكتور باسم عودة رؤية واضحة لأهم القضايا التي تتعلق بحياة المواطن المصري، وأعد خطة شاملة تتضمن مجموعة من السياسات التي ساهمت في تحقيق تحسينات ملموسة في مستوى معيشة المواطنين. من أبرز هذه السياسات:

منظومة الخبز الجديدة: ألغى النظام القديم الذي كان يعتمد على الدقيق، ليتم تقديم الدعم مباشرة للمنتج النهائي. هذا التغيير نجح في القضاء على طوابير الخبز، حيث كان المواطنون يقضون ساعات طويلة في انتظار الحصول على رغيف الخبز المدعوم. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت هذه المنظومة في تقليل الفساد في نظام الدعم، مما وفّر مليارات الجنيهات على الدولة.

رفع جودة السلع التموينية: عمل عودة على منع خلط دقيق الذرة مع الدقيق المدعوم، مما أدى إلى تحسين جودة رغيف الخبز وحماية صحة المواطنين من السموم الفطرية. كانت هذه الخطوة مهمة في تعزيز الثقة لدى المواطنين في جودة المنتجات الغذائية المقدمة لهم.

الاعتماد على الاكتفاء الذاتي من القمح: اتخذ قرارات جريئة تمنع استيراد القمح الأجنبي قبل موسم الحصاد، مما ساهم في رفع أسعار التوريد للمزارعين وتحفيزهم على زيادة الإنتاج. هذا التحول ساعد على تحقيق نوع من الاستقلالية الغذائية، وهو ما كان مطلوبًا في وقت تزايد فيه الاعتماد على الاستيراد.

تطوير التجارة الداخلية
عمل عودة على تحسين قطاع التجارة الداخلية، مما ساهم في تقليل الازدحام أمام مراكز توزيع السلع الأساسية. فقد كانت هناك جهود واضحة لتحسين كفاءة توزيع السلع، مما جعلها أكثر سهولة ويسرًا للمواطنين.

الصراعات مع الدولة العميقة
رغم النجاحات التي حققها، تعرض عودة لهجوم شديد من وسائل الإعلام الموالية للدولة العميقة وواجه مقاومة كبيرة من الفاسدين الذين اعتادوا على استغلال منظومة الدعم. كان هناك مخاوف واضحة من أن نجاحه قد يؤثر سلبًا على مصالحهم. هذا الصراع أظهر كيف أن الفساد يمكن أن يقف في طريق التغيير الإيجابي.

ومع تصاعد الضغوط، تم إلقاء القبض على الدكتور باسم عودة بعد الانقلاب العسكري في يوليو 2013، وتم وضعه في سجن انفرادي. هذا الاعتقال لم يكن مجرد تصفية حسابات سياسية، بل كان بمثابة رسالة إلى كل من يحاول إحداث تغيير حقيقي في المجتمع. إذ يبدو أن الدولة العميقة كانت تخشى من تأثير عودة على مصالح بعض القوى الفاسدة، مما يطرح تساؤلات عديدة حول المخاوف الحقيقية من النجاح والكفاءة.

الفشل المستمر بعد رحيل عودة
منذ تولي السيسي الحكم، تغيّرت سياسات وزارة التموين بشكل جذري، حيث اعتبر الاستيراد نقطة قوة. ازدادت فاتورة استيراد القمح بشكل كبير، وتراجعت المساحات المزروعة بالقمح في مصر. هذه التحولات أدت إلى تفاقم أزمة الغذاء، مما أثر سلبًا على مستويات معيشة المواطنين وزاد من معاناتهم.

سياسات السيسي اعتمدت بشكل متزايد على الاستيراد، مما جعل مصر تعاني من أزمة غذائية خانقة. هذا التغيير يتناقض تمامًا مع رؤية عودة، الذي كان يسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي وزيادة الإنتاج المحلي. بينما كانت تجارب عودة تعكس إمكانية تحقيق التنمية المستدامة من خلال السياسات الحكيمة، أصبحت السياسات الجديدة تعكس تفشي الفساد والاستغلال.


تجربة الدكتور باسم عودة تبين كيف يمكن لإرادة التغيير أن تواجه عقبات كبيرة في ظل أنظمة تعيق النجاح. إن نجاحاته خلال فترة وزارته تمثل نموذجًا يحتذى به لكل من يسعى إلى إحداث تأثير إيجابي في المجتمع. تجربته تدعو للتأمل في أهمية الكفاءة والنزاهة في إدارة الموارد العامة، وتطرح تساؤلات حول مستقبل الأمن الغذائي في مصر.

استذكار تجربة باسم عودة يعد دعوة للمجتمع المصري لتبني قيم الشفافية والمساءلة في الحكومات المقبلة. فعندما يتمكن شخص واحد من إحداث تغيير إيجابي في فترة قصيرة، يصبح من الضروري أن نكون واعين للقوى التي تعيق هذا التغيير. من الضروري أن نستمر في الدعوة إلى الإصلاحات التي تعزز من كفاءة الإدارة، وتكافح الفساد، وتدعم المواطنين في سعيهم لتحقيق حياة كريمة.

ختامًا، تبقى تجربة الدكتور باسم عودة، نموذجًا للنجاح الذي خنقته الدولة العميقة، ورمزًا لكل من يسعى للتغيير في ظل ظروف صعبة. إن استذكار هذه التجربة هو بمثابة تذكير للجميع بأن هناك دائمًا إمكانية لتحقيق النجاح، ولكن هذه الإمكانية تتطلب شجاعة وتصميمًا، وتضحية من أجل الصالح العام.