خالد حمدي

 

كنا بالأمس في زيارة أحد الفضلاء، وكان في ضيافته أحد أكارم أهل ليبيا، وما أكثر أكارمها.

فوجدت معه هذه الرسالة يفتخر بها، ويهدي نسخة منها لصاحب البيت...

قرأت الرسالة...

فإذا هي مكتوبة بخط المجاهد عمر المختار أسد الصحراء رحمه الله إلى جد صاحبنا هذا يشكره فيها على السبعين جنيها ذهبيا التي أرسلها إليه يدعم بها المجاهدين.

هزتني هذه الرسالة وهيجت قريحة القلب والعقل حتى زاحمتني المعاني، وتداعت إلى عقلي الدروس.

فهذه الرسالة منذ حوالي تسعين سنة لو وقعت في يد المحتل الإيطالي أو أحد أعوانهم من خونة ليبيا آنذاك لكانت كفيلة بقتل جميع أفراد العائلة، لكنها اليوم وبعد تسعين سنة أصبحت مصدر شرف للعائلة يعلقونها على الجدران، ويهدون منها نسخا للأصدقاء والإخوان.

وهكذا المواقف الشريفة وقت المحن... ربما تسبب لصاحبها بعض الخوف، لكنها بعد انجلاء الغمة تكون مصدر عز وفخر لأصحابها.

 

كذلك علمتني الرسالة وما أروعها من رسالة...أن أعظم ما يقدمه الأجداد للأحفاد، والآباء للأولاد عمل صالح باقي الأثر طويل الأمد... فهذا والله أعظم من مليارات الجنيهات...

تخيل معي عندما يفتخر أحفاد المصلحين غدا بسيرة أجدادهم، كم ستفسح لهم من مجالس، وكم ستشرف بهم من عرائس!!

دخل حفيد لقتادة بن النعمان على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، وقتادة هذا هو الذي سقطت عينه على خده يوم أحد فردها النبي صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة فصارت أحسن من السليمة، لذلك لما قال عمر لحفيد أبي قتادة من أنت؟

قال:

أنا ابن الذي سقطت على الخد عينه** فردت بكف المصطفى أحسن الرد

فعادت كما كانت لأحسن عهدها** فيا حسن ما عين ويا حسن ما رد

 

رسالة عمر المختار وجدتُ فيها بشارة بأن دوام الحال من المحال، وأن خائف الأمس آمن اليوم، وأن البقاء للأصلح والفناء للأخبث ولو ملك الدنيا، وأن اليوم الذي كان يتوارى فيه المصلحون عن الأنظار، ستعقبه أيام بل أجيال يتباهون فيها بما كان يوما مثار خوف أو سخرية أو استهزاء.

خونة عمر المختار، وشرطة المحتل وجيشه لم تعد لهم ذكرى... لكن لا تخلو عاصمة عربية من شارع يحمل اسم عمر المختار!!

وهكذا الزبَد مآله إلى الجُفاء، وما كان ينفع الناس سيمكث في الأرض مهما أخفاه الأعداء.

ستسمى مدارسنا وشوارعنا ومياديننا يوما بأسماء شهدائنا ومصلحينا، وسيخرج أولادنا يوما إلى الناس يتشرفون بآبائهم الشهداء والصلحاء الذين كانوا دوما في مطاردة واعتقال واختفاء، ورسالة عمر المختار هذه تشهد بذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ