تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو وُصف بـ«الكارثي» يوثّق هروبًا جماعيًا لعشرات – بل مئات – النزلاء من إحدى مصحات علاج الإدمان بمنطقة المريوطية بمحافظة الجيزة، في مشهد صادم هزّ الرأي العام.
المشهد، الذي أظهر شبابًا يفرّون في الشوارع بحالة من الذعر والارتباك، لم يكن مجرد واقعة عابرة، بل أعاد إلى الواجهة واحدًا من أخطر الملفات المسكوت عنها: ملف مراكز علاج الإدمان غير المرخصة، أو ما يُعرف شعبيًا بـ«مراكز بير السلم».
فيديو واحد يكشف المستور
خلال ساعات قليلة، انتشر الفيديو على نطاق واسع، مصحوبًا بتعليقات غاضبة وتساؤلات حادة: كيف تحوّلت أماكن يُفترض أنها ملاذ للعلاج والتعافي إلى ساحات هروب جماعي؟ ولماذا يهرب مرضى يفترض أنهم يتلقون رعاية صحية ونفسية؟
الإجابات جاءت سريعًا على ألسنة النزلاء الفارين أنفسهم، في شهادات أولية وُصفت بالمرعبة، تحدثوا فيها عن تجويع ممنهج، وتعذيب بدني، وحبس قسري، وغياب تام لأي إشراف طبي حقيقي، مقابل مبالغ مالية ضخمة يدفعها ذووهم على أمل إنقاذ أبنائهم من الإدمان.
داخل الأسوار: علاج أم عقاب؟
بحسب روايات متطابقة، لم تكن المصحة سوى مبنى مغلق يُدار بعقلية أمنية قمعية، لا علاقة لها بالطب أو العلاج النفسي.
يقول أحد الفارين: «كنا نتعرض للضرب كوسيلة للعلاج، ومن يعترض يُحبس أيامًا دون طعام كافٍ… لا أطباء، لا تمريض، فقط مشرفون يستخدمون العنف».
هذه الشهادات تفتح الباب أمام تساؤل أخطر: كم من المرضى لا تزال معاناتهم حبيسة هذه الجدران في مراكز مشابهة لم يُكشف أمرها بعد؟
مصحة بلا ترخيص.. ومرضى بلا حماية
تقارير إعلامية أكدت أن المنشأة التي شهدت واقعة الهروب تعمل دون ترخيص رسمي، في مخالفة صريحة لقانون المنشآت الطبية غير الحكومية وقانون الصحة النفسية.
غياب الترخيص لا يعني فقط مخالفة إدارية، بل يعني انعدام الرقابة، وغياب المعايير الطبية، وتحول “العلاج” إلى نشاط تجاري قائم على استغلال يأس الأسر وخوفها على أبنائها.
تحرك أمني بعد فوات الأوان؟
عقب انتشار المقاطع المصورة وتصاعد الغضب الشعبي، تحركت الأجهزة الأمنية، وتم تشميع المنشأة وإحالة القائمين عليها إلى النيابة العامة للتحقيق في المخالفات المنسوبة إليهم.
كما أعلنت الجهات المختصة عن تكثيف الحملات التفتيشية لإغلاق مراكز علاج الإدمان غير المرخصة في مختلف المحافظات، داعية المواطنين إلى الإبلاغ عن أي منشآت مشبوهة.
لكن كثيرين تساءلوا: لماذا لا يتحرك هذا التفتيش إلا بعد وقوع الكارثة؟ وكم مركزًا مشابهًا لا يزال يعمل في الظل دون رقابة أو محاسبة؟
الواقعة فجّرت موجة غضب عارمة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبرها كثيرون دليلًا صارخًا على فشل منظومة الرقابة، وتهديدًا مباشرًا لحق المرضى في العلاج الآمن والإنساني.

