تزايدت المخاوف الحقوقية في الأيام الأخيرة بشأن حياة المعتقل السياسي وليد أحمد رجب الزندحي (49 عاماً)، بعد قيام مصلحة السجون بترحيله قسراً من سجن المنيا شديد الحراسة إلى سجن الوادي الجديد، وهو السجن المعروف بسمعته السيئة وافتقاره لأبسط مقومات الرعاية الإنسانية والطبية.
وأشارت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان إلى أن عملية الترحيل، التي تمت الأربعاء الماضي، شملت (23) معتقلاً آخرين، ووصفتها بأنها عقوبة جماعية جديدة تمسّ السجين وأسرته في آنٍ واحد، إذ تضيف إلى معاناته الصحية معاناة إنسانية واجتماعية، خاصة أن أسرته تضطر إلى قطع مئات الكيلومترات لزيارته في ظل أوضاع اقتصادية صعبة.
تدهور صحي خطير وسط حرمان من العلاج
بحسب ما وثقته الشبكة الحقوقية، يعاني الزندحي من نزيف شرجي مزمن تفاقم خلال الفترة الماضية، رغم خضوعه لعملية جراحية العام الماضي. لكن حالته الصحية تدهورت مجددًا بسبب الإهمال الطبي وحرمانه من الرعاية والعلاج اللازم داخل السجن.
ويُعد سجن الوادي الجديد من أكثر السجون عزلة وبُعدًا عن مراكز الخدمات الطبية المتقدمة، كما أن مستشفاه الداخلي – وفق ما ورد في التقرير – يفتقر إلى أبسط التجهيزات الطبية والكوادر المتخصصة، مما يشكّل خطرًا حقيقيًا على حياة المعتقلين المرضى، وفي مقدمتهم الزندحي الذي يحتاج إلى متابعة طبية عاجلة.
أم مسنّة تتحدى العجز لرؤية ابنها
من أكثر ما يعكس مأساوية القضية هو وضع والدة وليد الزندحي، التي تجاوزت الثمانين من عمرها وتعاني من أمراض تمنعها من الحركة والسفر. منذ نقله إلى سجن المنيا عام 2019، لم تتمكن من زيارته ولو مرة واحدة بسبب بُعد المسافة وصعوبة التنقل، ومع نقله الأخير إلى سجن الوادي الجديد – الذي يبعد نحو تسع ساعات سفر عن محل إقامتها في الجيزة – أصبحت الزيارة شبه مستحيلة تمامًا.
تعيش الأم المسنّة على أمل أن ترى ابنها قبل أن يفوت الأوان، في مشهد إنساني قاسٍ يسلّط الضوء على انتهاك حق الأسر في التواصل مع ذويهم المحتجزين، وهو حق تكفله القوانين والدساتير المحلية والدولية على حد سواء.
سنوات من المعاناة.. من الاعتقال إلى الحكم المؤبد
تعود قصة الزندحي إلى 4 مايو 2015، حين ألقت قوات الأمن القبض عليه من منزله بمحافظة الجيزة، ليُخفى قسريًا لمدة 11 يومًا داخل مقر الأمن الوطني بالشيخ زايد. وخلال فترة الإخفاء، تعرض لتعذيب بدني ونفسي شديدين، وأُجبر على الإدلاء باعترافات تحت وطأة التعذيب، وفق ما وثّقته الشبكة المصرية.
وبعد مثوله أمام نيابة أمن الدولة في 15 مايو 2015، تم ترحيله إلى سجن معسكر الأمن المركزي بالكيلو 10.5، ثم إلى سجن طرة، ومنه إلى سجن المنيا شديد الحراسة في نوفمبر 2019. عند وصوله الأخير، تعرّض لما يُعرف بين السجناء بـ"حفلة الاستقبال" — وهي موجة عنف ممنهجة تشمل تجريد السجين من ملابسه وضربه بوحشية، ما تسبب له في إصابات متعددة تركت آثارها لسنوات.
وفي 19 أغسطس 2019 صدر بحقه حكم بالسجن المؤبد (25 عامًا)، جرى تأكيده أمام محكمة النقض في سبتمبر 2020، ليبدأ رحلة قاسية من التنقل بين السجون والتغريب المتكرر، دون أن يُراعى وضعه الصحي المتدهور.
انتهاكات صريحة للدستور والقوانين الدولية
أكدت الشبكة المصرية أن استمرار احتجاز الزندحي في سجن الوادي الجديد، في ظل حالته الصحية الخطيرة، يمثل انتهاكًا للمادة (55) من الدستور التي تنص على أن "كل من يُقبض عليه أو يُحبس أو تُقيّد حريته تجب معاملته بما يحفظ كرامته الإنسانية، ولا يجوز تعذيبه أو ترهيبه أو إيذاؤه بدنيًا أو معنويًا".
كما أشارت إلى أن ما يتعرض له السجين يتعارض مع قواعد نيلسون مانديلا النموذجية لمعاملة السجناء، التي تُلزم السلطات بتوفير الرعاية الصحية الكاملة للمحتجزين دون تمييز، وتمنع أي إجراءات عقابية تهدد حياتهم أو تعزلهم عن أسرهم.
مطالب عاجلة وتحرك حقوقي لإنقاذ حياته
دعت الشبكة المصرية السلطات إلى النقل الفوري لوليد الزندحي إلى مستشفى متخصص لتلقي العلاج اللازم، وإنهاء سياسة التغريب القسري التي تنتهجها مصلحة السجون، والتي تحرم آلاف الأسر المصرية من حقها الإنساني في زيارة أبنائها.
كما حمّلت وزارة الداخلية ومصلحة السجون المسؤولية الكاملة عن سلامته وحياته، وطالبت المنظمات الحقوقية المحلية والدولية بالتدخل العاجل للضغط من أجل إنقاذه وضمان حصوله على العلاج والرعاية الإنسانية التي يكفلها القانون.

