أُطلق المشروع تحت لافتة كبرى: "مشروع قومي لإنتاج 30 مليون بيضة يوميًا"، ضمن خطة الدولة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من البروتين الحيواني، وخفض أسعار البيض التي باتت عبئًا على الأسر المصرية.
لكن اليوم، وبعد مرور أشهر على الإعلان، تكشف الأرقام الصادمة أن المشروع ينتج فعليًا أقل من مليون بيضة يوميًا فقط — أي أقل من 3% من الهدف المعلن — بينما تستمر أسعار البيض في التحليق، وتتجاوز قدرات المواطن البسيط.
مشروع "الـ30 مليون بيضة" يُضاف بذلك إلى سلسلة من المشروعات الكبرى التي رُوّج لها إعلاميًا، لكنها انتهت إلى الفشل، أو تحولت إلى عبء اقتصادي دون عائد حقيقي.
أرقام بلا أساس.. وتخطيط بلا واقع
عندما أعلن قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي عن المشروع، كان الحديث يدور عن مجمعات إنتاجية ضخمة، واكتفاء ذاتي، وفرص عمل، وانخفاض في الأسعار.
لكن الحقيقة، كما كشفتها مصادر من داخل قطاع الإنتاج الحيواني التابع لوزارة الزراعة، أن المشروع تعثّر في بداياته لأسباب متكررة:
نقص التمويل الفعلي مقارنة بالوعود.
غياب بنية تحتية حقيقية لتوفير الأعلاف بأسعار مناسبة.
عدم وجود خطة تسويقية واضحة أو آليات توزيع للمنتج.
تأخر وصول المعدات وخطوط الإنتاج.
اعتماد المشروع على استيراد مستلزمات الإنتاج بالعملة الصعبة.
النتيجة: مشروع ضخم على الورق، لكنه شبه متوقف في الواقع، مع تراجع واضح في معدلات التشغيل والإنتاج.
البيض للمرفهين فقط؟
في الوقت الذي يتراجع فيه إنتاج البيض من هذا المشروع القومي، تستمر أسعار البيض في الأسواق بالارتفاع الجنوني، حيث تجاوز سعر كرتونة البيض 140 جنيهًا في بعض المحافظات، بعد أن كانت تباع بـ40–50 جنيهًا فقط قبل عامين.
وهذا الارتفاع لا يرتبط فقط بقلة المعروض، بل أيضًا بارتفاع أسعار الأعلاف، وتكاليف النقل، والكهرباء، وغياب الرقابة.
لكن المفارقة أن مشروع الـ30 مليون بيضة الذي وُعد المواطن به كحل، لم يُسهم في كبح جماح الأسعار ولو بنسبة بسيطة.
بل على العكس، يشعر المواطن اليوم أن البيض أصبح رفاهية غذائية لا يمكن توفيرها إلا مرة أو مرتين شهريًا، بعد أن كان عنصرًا أساسيًا في وجبات الطبقات المتوسطة والفقيرة.
من مشروع البيض إلى مشاريع الوهم
ما يحدث في مشروع البيض ليس استثناءً، بل هو نسخة مكررة من نمط مشروعات السيسي الكبرى:
مشروع يُعلن عنه بضجة، تُخصص له ملايين الجنيهات، تُقام له احتفالية، ثم يختفي من المتابعة، وتفشل آلياته، ويقع ضحيته المواطن.
نفس النمط تكرّر في:
مشروع المليون ونصف فدان الذي لم يكتمل.
مشروع الصوب الزراعية الذي فشل في ضبط الأسعار.
مشروع الأسماك العملاق الذي لم يُحقق الاكتفاء.
مشروع مفارخ الدواجن الذي انهار وأُغلق منه أكثر من 60%.
وتؤكد هذه الأمثلة أن غياب الرؤية، وترك المشروعات دون رقابة أو إدارة مهنية، يُحول كل مشروع طموح إلى مشروع خاسر.
فشل إداري.. لا أزمة موارد
اللافت أن الحكومة لا تُقرّ بالفشل، بل تواصل تبرير الأزمات. وعندما تفشل المشروعات، يُلقى اللوم على السوق، أو المواطنين، أو الأزمة العالمية، أو الحرب في أوكرانيا، دون أن تتحمل السلطة مسؤولية التخطيط المرتجل والوعود غير المدروسة.
ويقول أحد خبراء التنمية الزراعية:"المشكلة ليست في نقص الإمكانيات، بل في وفرة الشعارات وغياب الإدارة. لو تم إنفاق نصف ما صُرف على الحملات الدعائية على البنية الحقيقية للإنتاج، لكان لدينا اكتفاء ذاتي من البيض واللحوم والدواجن."
بيض بلا قشرة.. ومشاريع بلا نتائج
في النهاية، يتحول المواطن إلى متلقٍّ دائم للفشل: تُوعده الدولة بـ30 مليون بيضة، فيُفاجأ أنه لا يستطيع شراء واحدة.
ويُقال له إن المشروعات القومية ستقضي على الغلاء، في حين تُلهبه الأسعار في السوق يومًا بعد يوم.
ومع كل فشل جديد، تتضح الحقيقة الأهم: المشكلة ليست في الإنتاج فقط، بل في منظومة حكم لا تُحاسب نفسها، وتعيش على العناوين الكبيرة بينما الواقع يزداد فقرًا وتهميشًا.

