د. سعيد الحاج

باحث في الشأن التركي والقضية الفلسطينية والشؤون الإقليمية

 

شهد العام 2025 حرب الـ12 يوما بين إيران ودولة الاحتلال، وعرف مسارا تفاوضيا بين الأخيرة وسوريا لم يصل لنتيجة نهائية، وأُعلن فيه عن وقف إطلاق النار في غزة، ويجتمع في نهايته ترامب مع نتنياهو للحديث حول المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأمريكي بخصوص قطاع غزة.

 

يفترض، وفق هذه المعطيات والمنطلقات، أن يكون 2026 عاما من الهدوء والاستقرار النسبي ونهاية الحرب بشكلها السابق. بيد أن عددا من المؤشرات يقول بعكس ذلك تماما، أي أنه سيكون عام تجدد الحرب وربما بشكل أعنف ولا سيما في البعد الإقليمي.

 

ففي المقام الأول، لا ينبغي إغفال تغير العقيدة الأمنية "الإسرائيلية" بعد "طوفان الأقصى"، والتي تقوم اليوم على ضرب أي تهديد محتمل قبل أن ينشأ، وعدم السماح بأي بنية تحتية أو جاهزية لما يمكن أن يجعل سيناريو السابع من أكتوبر 2023 قابلا للتكرار من أي طرف كان. وهو ما دفع ويدفع نحو مغامرات عسكرية ذات طابع هجومي في المنطقة، دون الاكتراث بحدود سايكس- بيكو كما أعلن المبعوث الأمريكي لكل من سوريا ولبنان (والسفير في تركيا) توم باراك.

 

وانطلاقا من هذه الرؤية الجديدة، تنظر "إسرائيل" إلى عدد من الحروب التي خاضتها والاعتداءات التي شنتها كـ"مهمات لم تكتمل" ينبغي إتمامها، وخصوصا في كل من لبنان وإيران، حيث تعرض حزب الله لضربة قاسية لكن لم يُقض عليه، بينما لم يسقط النظام في إيران ولا أمكن تدمير مشروعَيْها النووي والصاروخي.

 

كما أن دولة الاحتلال ترى أنها تعرضت للحد الأقصى من اللوم والتنديد والضغوط، بما في ذلك مقاضاتها وقياداتِها أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، ما يعني أن حروبا إضافية لن تكلفها المزيد من الضغوط، وخصوصا في ظل دعم إدارة ترامب غير المسبوق لها، حيث يختلف ترامب أحيانا مع نتنياهو في بعض التفاصيل المرتبطة بالتوقيت والأسلوب والخطاب، ولكن يتفقان في غايات الحرب والنظرة للمنطقة وضرورة انتصار "إسرائيل".

 

إضافة لذلك، ينبغي النظر لميزانية الدفاع المقترحة على الكنيست، والبالغة 34.5 مليار دولار أمريكي، بزيادة ملحوظة عن ميزانية 2023 وارتفاع طفيف (في حدود 5 في المئة) حتى عن 2025 وهي سنة توقف الحرب، على أنها ميزانية حرب وليس استقرار.

 

من المهم في هذا الإطار الإشارة إلى التقارير "الإسرائيلية" المتكررة حول جهود حزب الله في ترميم خسائره وتعظيم قدراته، والتي تشمل أحيانا مبالغات مقصودة لتبرير استمرار خروقات وقف إطلاق النار حاليا، وكذريعة لاستنزافه أو شن حرب عليه مستقبلا. كما أن النبرة "الإسرائيلية" تجاه إيران ما زالت تلوّح بحرب ثانية، وقد لفتَ الأنظارَ فيديو (معدٌّ بالذكاء الصناعي) نشره قبل أيام حساب نتنياهو على تطبيق إنستغرام؛ يظهره مع ترامب على متن قاذفة الشبح الأمريكية B-2، التي استخدمت في قصف المنشآت النووية الإيرانية قبل أشهر.

 

في المقابل، فإن الحروب التي شنتها "إسرائيل" في المنطقة تبقى في معظمها جبهات مفتوحة لم تغلق كما ينبغي، فبقيت كالألغام التي تنتظر الانفجار أو الفتيل القابل للاشتعال. ويعزز من ذلك أن ما يعرضه ترامب على المنطقة أقرب لفرض شروط استسلام وخضوع وإذعان، ما يستثير مشاعر الغضب ورد الفعل أكثر من السكوت والتمرير، ولو على المدى البعيد.

 

وفق هذه الرؤية، يجب النظر للقمة التي ستجمع نتنياهو مع ترامب بالكثير من الجدية والتوجس والحذر. فقد اجتمعا سابقا قبيل الإعلان عن وقف إطلاق النار في غزة حيث بلورا معا بنود خطة ترامب التي أعلنها لاحقا، وها هما يجتمعان قبيل الإعلان عن ملامح المرحلة الثانية من الخطة/الاتفاق. وإضافة لذلك، فالقمة بالتأكيد ستشمل نقاش الأوضاع في المنطقة عموما، وتحديدا ما يرتبط بإيران وحزب الله والحوثيين في اليمن، وكذلك سوريا.

 

في سياق آخر، يزداد التوتر مع مرور الوقت بين تركيا و"إسرائيل"، حيث كانت الأخيرة قد صنفت تركيا لأول مرة كتهديد لها في عام 2020، قبل أن توصي لجنة "ناجل" المرتبطة بالحكومة "الإسرائيلية" مطلع العام الحالي بالاستعداد لمواجهة عسكرية مع تركيا خلال سنوات، على خلفية التوتر بين الجانبين بسبب الطوفان والتطورات في سوريا.

 

من جهتها، باتت أنقرة تنظر للعدوان "الإسرائيلي" المتوسع في المنطقة كتهديد مباشر لها، وقد عبّر عن ذلك أردوغان في تصريحه الشهير بأن قواتها "على بعد ساعتين ونصف من حدودنا"، قبل أن ينظم البرلمان التركي جلسة سرية لمناقشة "سبل مواجهة التهديد الإسرائيلي". هذا فضلا عن أن دروس أنقرة المستخلصة من المواجهة الإيرانية- "الإسرائيلية" انصبّت على كيفية تعزيز قوتها في مواجهة أي عدوان "إسرائيلي" محتمل عليها، حيث ركزت على نقاط الضعف الإيرانية وليس "الإسرائيلية".

 

وحين صرح أردوغان قبل أشهر بضرورة تقوية بلاده "حتى لا تستطيع إسرائيل فعل ما تفعله بالفلسطينيين"، مذكّرا بتدخل تركيا في ليبيا وقره باغ، هدده كاتس بـ"مصير صدام حسين". وفي حين لا تريد "إسرائيل" مشاركة تركيا في قوة الاستقرار الدولية في غزة حتى "لا تحاصرها من الشمال والجنوب"، تسعى هي لمحاصرتها واستهدافها بعرضها الدعم على قوات سوريا الديمقراطية "قسد" وتعميق تعاونها مع كل من اليونان وقبرص؛ حيث أعلنت الأطراف الثلاثة في القمة الأخيرة في القدس المحتلة عن تشكيل "قوة تدخل سريع عسكرية في شرق المتوسط" موجهة بداهة ضد أنقرة.

 

وفي حين اتخذت المنافسة بين الجانبين طابعا تصعيديا في سوريا، حيث قصفت قوات الاحتلال قاعدة عسكرية كانت أنقرة تدرس إمكانية نشر قوات فيها بالاتفاق مع دمشق، وأعلنت عن استرجاع منظومات تنصت تركية من سوريا، تنظر تركيا إلى اعتراف "إسرائيل" باستقلال إقليم أرض الصومال كتهديد مباشر لتواجدها في الصومال ومصالحها في القرن الأفريقي عموما.

 

الشاهد من كل ما سبق أنه ورغم حرص تركيا على تجنب أو تأجيل المواجهة مع "إسرائيل"، ورغم أن مواجهة عسكرية مباشرة بين الجانبين غير مرجحة في المدى القريب، إلا أن مواجهة غير مباشرة، ولكن أكثر حدة وسخونة في سوريا باتت احتمالا متوقعا في الآونة الأخيرة، بغض النظر أكان فتيلها متعلقا بملف "قسد" أم استهداف القيادة السورية أم غير ذلك.

 

وفي الخلاصة، فإن حديث ترامب عن "شرق أوسط مستقر" لا يعدو عن كونه شعارا غير قابل للتطبيق وبعيد عن فهم ديناميات المنطقة وحقائقها، وخصوصا أن ما يقصده الرئيس الأمريكي من الاستقرار أقرب ما يكون للخضوع والاستسلام للنفوذ "الإسرائيلي" الكامل في المنطقة، والذي لن تسلم به عدة أطراف.

 

على عكس ما يدعّي ترامب ويدعو له، فإن المرجح أن تعود المنطقة لمنطق الحرب والعدوان والاشتباك وليس الهدوء والاستقرار والاستثمار. وهذه المرة ستكون المواجهات أكثر عنفا وأعلى سقفا، إذ ستسعى لتحقيق الأهداف التي فشلت فيها المواجهات السابقة؛ من قبيل القضاء على حزب الله أو إسقاط النظام الإيراني مثلا.

 

من هذه الزاوية تحديدا ينبغي مراقبة ومواكبة ومتابعة قمة ترامب مع مجرم الحرب نتنياهو، وخصوصا فكرة مقايضة أي خطوات في غزة بضوء أخضر لمغامرات عسكرية في المنطقة.