أكثر من اثني عشر عامًا مضت على حبس الشاب أنس محمد البلتاجي، نج16ل البرلماني السابق الدكتور محمد البلتاجي، دون أن تلوح في الأفق بارقة أمل لحرية طال انتظارها. في كل عام تتجدد المأساة، وتبقى صرخات أمه خلف الجدران لا تجد من يصغي إليها، فيما يستمر أنس في مواجهة ظروف احتجاز قاسية، بلا محاكمة عادلة، ولا حقوق إنسانية.

 

تقول والدته في رسالة تنزف ألمًا وحسرة: «ابني المعتقل منذ 12 سنة ظلمًا… لم أره، ولم أسمع صوته، ولا أعرف كيف أصبح شكله.

 

شاب كان في التاسعة عشرة حين أخذوه، واليوم تجاوز الثانية والثلاثين وما زال وراء جدران لا تُفتح حتى صدأ باب زنزانته من طول الإغلاق.

 

إلى متى يُظلم الأبرياء؟ إلى متى تُفجع الأمهات؟».
 

 

بداية القصة: زيارة انتهت باعتقال

 

تعود فصول المأساة إلى 24 ديسمبر 2013، حين تم اعتقال أنس أثناء زيارة لوالده في مجمع سجون طرة. وبحسب روايات أسرية، تعرّض الشاب ووالدته حينها للضرب والإهانة داخل السجن. لم تمضِ أيام حتى أُعيد القبض عليه نهاية الشهر ذاته، ليختفي قسريًا لأسابيع طويلة قبل أن يظهر في أحد مقار الأمن.

 

منذ تلك اللحظة، دخل أنس في دوامة من المعاناة امتدت لأكثر من عقد، بين تعذيب، وحبس انفرادي مطول، ومنع من الزيارة، وحرمان من الدواء والغذاء والضوء الطبيعي.

 

تصف منظمات حقوقية ما يتعرض له الشاب بأنه “عقاب على صلة الدم”، حيث لم يُدن في أي قضية جنائية مثبتة، بينما صدرت بحقه أحكام في قضايا ذات طابع سياسي، دون أن يُمنح فرصة الدفاع عن نفسه.

 

سنوات من الصمت والانتهاكات

 

منذ اعتقاله، عاش أنس في زنازين انفرادية مغلقة معظم الوقت، لا يرى فيها سوى الجدران، ولا يسمع سوى صدى أنفاسه. ومع مرور السنين، تدهورت حالته الصحية بشكل كبير، خاصة بعد إضرابه عن الطعام في يونيو 2024 احتجاجًا على ظروف احتجازه.

 

لكن الرد من إدارة السجن لم يكن استجابة إنسانية، بل حبسه انفراديًا ثلاثة أشهر متواصلة، مما أدى إلى مزيد من التدهور الجسدي والنفسي.

 

تقول والدته في رسائل متكررة إن نجلها يعاني ضعفًا شديدًا، وفقدانًا للوزن، وآثارًا واضحة للتعذيب والإهمال الطبي، مشيرةً إلى أن الأسرة لم تتمكن من رؤيته أو التواصل معه منذ سنوات طويلة، رغم تقديم عشرات الطلبات الرسمية.

 

أنس نموذج لسياسة ممنهجة

 

قضية أنس البلتاجي، كما تؤكد منظمات حقوق الإنسان، ليست حالة فردية، بل جزء من سياسة أوسع تتبعها السلطات المصرية ضد أبناء المعارضين والمعتقلين السياسيين.

 

فقد طالت الإجراءات العقابية عددًا من الأسر، حيث تُمارس ضدها أشكال متعددة من التضييق، كمنع الزيارات، والاحتجاز في ظروف غير إنسانية، وإطالة فترات الحبس الاحتياطي دون مبرر قانوني.

 

ويرى مراقبون أن استمرار احتجاز أنس بعد أكثر من 12 عامًا يمثل “وصمة قانونية وأخلاقية” في سجل العدالة المصرية، وانتهاكًا واضحًا للمواثيق الدولية التي وقّعت عليها مصر، وعلى رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يكفل الحق في الحرية والمحاكمة العادلة.

 

دعوات للإفراج والتحقيق

 

من جانبه، مركز الشهاب لحقوق الإنسان أدان استمرار احتجاز أنس، وطالب السلطات بـ: الإفراج الفوري عنه دون قيد أو شرط، وتمكينه من التواصل مع أسرته ومحاميه، والتحقيق الجاد في الانتهاكات التي تعرّض لها منذ اعتقاله، ومحاسبة المسؤولين عن التعذيب وسوء المعاملة.

 

 

كما دعت منظمة عدالة لحقوق الإنسان إلى وقف الممارسات القمعية ضد المعتقلين السياسيين، مؤكدة أن “قضية أنس البلتاجي أصبحت رمزًا لمعاناة آلاف الشباب الذين يقضون سنوات عمرهم خلف القضبان بلا تهمة حقيقية”.