في خطوة أثارت من السخرية أكثر مما أثارت من الأمل، أعلنت الحكومة المصرية عن تشكيل "لجنة رئيسية لتطوير الإعلام" تضم 67 شخصية، في مشهد بدا وكأنه محاولة لإعادة ترتيب ديكور مسرح إعلامي تسيطر عليه الدولة بشكل شبه كامل.
القرار، الذي صدر بتوجيهات رئاسية لوضع "خارطة طريق شاملة لتطوير الإعلام المصري"، قوبل بموجة عارمة من التساؤلات والتشكيك من قبل خبراء مستقلين ونشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي.
ففي بلد يحتل مراتب متدنية للغاية في مؤشرات حرية الصحافة العالمية، ويقبع فيه عشرات الصحفيين خلف القضبان ، يبدو الحديث عن "التطوير" ضرباً من العبث ومفارقة صارخة.
السؤال الذي طرحه الجميع بقوة: أي تطوير يمكن الحديث عنه بينما سيف القمع مسلط على الرقاب، وأبواب الحرية موصدة بالأغلال؟
لجنة حكومية في مواجهة تساؤلات الشارع
بمجرد الإعلان عن أسماء أعضاء اللجنة الـ 67، بدأت عاصفة من النقد على منصات التواصل الاجتماعي.
القائمة التي ضمت مسؤولين حاليين وسابقين في مؤسسات إعلامية مملوكة للدولة، وشخصيات معروفة بقربها من السلطة، بالإضافة إلى عدد من قيادات "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية" التي تحتكر المشهد الإعلامي الخاص في مصر، أثارت شكوكاً حول مدى استقلاليتها وقدرتها على إحداث تغيير حقيقي.
علق كثيرون بأن "تطوير الإعلام يبدأ بإطلاق سراح الصحفيين المحبوسين وليس بتشكيل اللجان".
وانتقد الكاتب الصحافي محمود المملوك، رئيس تحرير موقع "القاهرة 24"، تشكيل اللجنة، مشيراً إلى أن دور الإعلام يجب أن يبقى على "يسار السلطة" لمراقبتها ومحاسبتها، وأن اللجنة تضم أسماءً أخفقت في إدارة مشاريع إعلامية سابقة.
هذه الانتقادات تعكس شعوراً عاماً بأن اللجنة ليست سوى واجهة جديدة لتكريس الوضع القائم، وأنها تفتقر إلى الأصوات المستقلة الحقيقية القادرة على مواجهة جذور الأزمة.
"تطوير" في ظل القمع: مفارقة صارخة
تكمن المفارقة الكبرى في تزامن الإعلان عن هذه اللجنة مع استمرار وتصاعد وتيرة القمع ضد كل صوت حر في مصر.
فوفقاً لمنظمات حقوقية دولية، تحتل مصر المرتبة 170 من أصل 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة لعام 2025، لتظل ضمن قائمة الدول العشر الأسوأ عالمياً.
ويقبع ما لا يقل عن 22 صحفياً في السجون المصرية على ذمة قضايا سياسية، بعضهم محبوس احتياطياً لسنوات دون محاكمة.
ولم يقتصر الأمر على الصحفيين، بل امتد ليشمل حملة قمع واسعة ضد صانعي المحتوى على الإنترنت، حيث تم اعتقال ومقاضاة العشرات بتهم فضفاضة مثل "انتهاك الآداب العامة" و"تقويض القيم الأسرية".
في هذا المناخ الخانق، الذي يتم فيه حجب مئات المواقع الإخبارية والحقوقية، وتُستخدم فيه قوانين مكافحة الإرهاب وجرائم تقنية المعلومات كأدوات لإسكات المعارضين ، يصبح الحديث عن "تطوير الإعلام" أشبه بنكتة سمجة.
لا تطوير بلا حرية
تجمع الأصوات الوطنية، من صحفيين وحقوقيين،ونشطاء على حقيقة واحدة لا تقبل الجدال: لا يمكن أن يكون هناك تطوير للإعلام دون حرية.
إن المدخل الحقيقي لأي إصلاح جاد يبدأ بخطوات ملموسة على الأرض، وليس بتشكيل لجان برئاسة مسؤولين حكوميين.
هذه الخطوات تتمثل أولاً وقبل كل شيء في الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الصحفيين والإعلاميين المعتقلين، ورفع الحجب عن المواقع المحجوبة، والتوقف عن استخدام الحبس الاحتياطي كعقوبة استباقية ضد أصحاب الرأي.
فانتقد الصحفي محمد علي خير أسماء لجنة تطوير الإعلام قائلا : بلاش تضييع وقت
#محمد_علي_خير ينتقد أسماء لجنة تطوير الإعلام: بلاش تضييع وقت#الموقع_مكانك_الأول_للخبر pic.twitter.com/cMYtXIJXyT
— almawq3 - الموقع (@almawq3_news) October 5, 2025
وغرد طارق العوضي المحامي " يتحدثون عن نقلة نوعية في الصحة والتعليم.. وعن إدخال البكالوريا والذكاء الاصطناعي.. وعن تطوير الإعلام والمسرح والسينما.. هذا الرجل لا يتحدث عن مصر التي نعيشها.. بل عن عالم آخر لا نراه إلا في بيانات الحكومة".
يتحدثون عن نقلة نوعية في الصحة والتعليم.. وعن إدخال البكالوريا والذكاء الاصطناعي.. وعن تطوير الإعلام والمسرح والسينما..
— طارق العوضى المحامى (@tarekelawady2) September 16, 2025
هذا الرجل لا يتحدث عن مصر التي نعيشها.. بل عن عالم آخر لا نراه إلا في بيانات الحكومة pic.twitter.com/TMs1kOHecV
الكاتب الصحفي سليم عزوز " مقال سليم عزوز بجريدة "القدس العربي" زاوية "فضائيات وأرضيات": مبادرة تطوير الإعلام المصري.. هذا بابا.. وهذه ماما.. وهذا تلفزيون".
مقال سليم عزوز بجريدة "القدس العربي" زاوية "فضائيات وأرضيات":
— سليم عزوز (@selimazouz1) September 20, 2025
مبادرة تطوير الإعلام المصري.. هذا بابا.. وهذه ماما.. وهذا تلفزيونhttps://t.co/Y9E1YRuTJb
ومن جهته كتب إسلام " لجنة ( تطوير)الإعلام اصغر واحد فيها شريف عامر ٥٠ سنة !! والباقيين فيهم ناس دفعة بابا شارو حرفيا !! چبن z ايه يا راجل اللي بيعمل ثورات اللي هنهتم بيه بلا قرف ، ده إكس لسه مافكرناش فيه !! هنركز في Z؟!!!".
لجنة ( تطوير)الإعلام اصغر واحد فيها شريف عامر ٥٠ سنة !! والباقيين فيهم ناس دفعة بابا شارو حرفيا !!
— اسلام صالحين (@EslamSalheen) October 5, 2025
چبن z ايه يا راجل اللي بيعمل ثورات اللي هنهتم بيه بلا قرف ، ده إكس لسه مافكرناش فيه !! هنركز في Z؟!!! pic.twitter.com/sEFNKuzGTF
وختامًا، تبدو "لجنة تطوير الإعلام" فصلاً جديداً في مسرحية طويلة من المحاولات الحكومية للسيطرة على السردية الإعلامية وتقديم صورة زائفة عن الواقع.
ففي غياب الإرادة السياسية الحقيقية لإنهاء القمع وضمان حرية التعبير، ستظل هذه اللجنة، بحجمها الكبير وأسمائها الرنانة، مجرد هيكل بيروقراطي أجوف.
إن تطوير الإعلام لا يحتاج إلى 67 خبيراً لوضع "خارطة طريق"، بل يحتاج إلى قرار سيادي واحد بإطلاق العنان للحرية، ورفع اليد عن الصحافة، والسماح بعودة "الرأي والرأي الآخر" الذي طالما تحدث عنه المسؤولون في خطاباتهم ، لكنهم عملوا على وأده في ممارساتهم. وبدون ذلك، ستبقى كل محاولات التطوير مجرد حبر على ورق، وستظل الصحافة المصرية سجينة في زنزانة الخوف والرقابة.