شهدت مدينة إدنبرة في اسكتلندا اقتحامًا لمكاتب شركة “سيكوريتاس” للأمن من قبل مجموعة داعمة لفلسطين، في خطوة احتجاجية وصفت بأنها “عمل مباشر” ضد الشركات المتورطة في دعم سلسلة توريد الأسلحة الإسرائيلية.
يأتي التحرك بينما تواصل إسرائيل غاراتها على قطاع غزة رغم تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن قرب التوصل إلى وقف لإطلاق النار وفق ما بات يُعرف بـ“خطة ترامب”.
تفاصيل الاقتحام ودلالاته
بحسب مقاطع مصورة تداولتها حسابات ميدانية على منصات التواصل الاجتماعي خلال اليومين الماضيين، أظهرت اللقطات اقتحام مكاتب شركة “سيكوريتاس” وكتابات على الجدران تربط الشركة بمنشأة “ليوناردو” في إدنبرة، وهي منشأة تُنتج أنظمة تحديد الأهداف بالليزر وتكنولوجيا التوجيه لطائرات F-35 المستخدمة من قبل سلاح الجو الإسرائيلي.
التقارير المحلية الميدانية أكدت أن شركة “سيكوريتاس” تتولى تأمين الموقع الصناعي التابع لـ“ليوناردو”، ما جعلها هدفًا مباشرًا لحملات الضغط المناهضة لتوريد الأسلحة إلى إسرائيل.
ووفق نشطاء محليين، فإن هذا الاقتحام يأتي في إطار “تكثيف العمل الميداني” ضد الشركات المشاركة — حتى بشكل غير مباشر — في دعم المنظومات العسكرية التي تُستخدم في الحرب على غزة.
⚡️‼️🚨 اقتحام مكاتب شركة الأمن الاسكتلندي "سيكوريتاس" التي تصنع أنظمة الليزر لطائرات F-35 الإسرائيلية من قبل مناصرين لفلسطين . pic.twitter.com/vY1OHEg9vA
— موسكو | 🇷🇺 MOSCOW NEWS (@M0SC0W0) October 5, 2025
منشأة ليوناردو وسلسلة توريد الـF-35
تُعد منشأة “ليوناردو” في إدنبرة جزءًا من شبكة بريطانية وأوروبية تشارك في إنتاج أنظمة الاستشعار والتوجيه لطائرات F-35 التي تُصنّعها شركة “لوكهيد مارتن” الأمريكية.
ويركّز النشطاء على تتبّع “سلسلة التوريد” التي تمتد من شركات المواد والمكونات إلى مؤسسات الأمن والحماية، معتبرين أن الضغط الشعبي على أي حلقة من هذه السلسلة يمكن أن يُعطّل مساهمة المنظومة القتالية في العمليات العسكرية ضد الفلسطينيين.
وقد شهدت المملكة المتحدة خلال العامين الماضيين موجات احتجاج متكررة استهدفت مواقع تصنيع وتوريد مكونات الـF-35، بما في ذلك شركات مثل “تيليداين” ومواقع صناعية أخرى، وسط دعوات متزايدة لفرض حظر شامل على تصدير السلاح إلى إسرائيل.
استمرار القصف رغم “خطة ترامب”
ورغم الزخم السياسي المصاحب لتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن “خطة وقف النار”، فإن الميدان في غزة يسير في اتجاهٍ مختلف تمامًا. فقد واصلت إسرائيل خلال اليومين الماضيين شنّ غارات مكثفة جوًا وبرًا على مختلف مناطق القطاع، بالتزامن مع قصف مدفعي عنيف، ما أدى إلى مقتل ما بين 65 و66 فلسطينيًا خلال 24 ساعة فقط، وإصابة نحو 250 آخرين وفق بيانات وزارة الصحة في غزة وتقارير وكالات دولية.
وتشير تحديثات ميدانية إلى أن خطة ترامب، التي تتضمن 21 بندًا تشمل ترتيبات لتبادل الأسرى وخطوط ما بعد الحرب، تواجه اعتراضات من داخل الائتلاف الإسرائيلي اليميني الحاكم، الذي يرفض أي وقف للعمليات قبل ما يسميه “الهزيمة الكاملة لحماس”.
المشهد الإنساني في غزة
في ظل هذا التباين بين الخطاب السياسي والواقع الميداني، يعيش سكان غزة وضعًا إنسانيًا بالغ الصعوبة. الأحياء السكنية المدمرة، النقص الحاد في المياه والغذاء، وتدهور الخدمات الصحية، كلها عوامل جعلت من الحياة اليومية للفلسطينيين مأساة متواصلة.
التقارير الإنسانية الأخيرة وثّقت وفاة مدنيين بسبب الجوع ونقص الإمدادات الطبية، في حين ما تزال عمليات الإجلاء والبحث عن ناجين تحت الأنقاض مستمرة وسط غياب تام لمؤشرات تهدئة حقيقية على الأرض.
الاحتجاج الأوروبي يتصاعد
يأتي اقتحام مكاتب “سيكوريتاس” ضمن موجة أوروبية متنامية من الاحتجاجات التي لم تعد تقتصر على المظاهرات العامة، بل امتدت إلى مواقع الإنتاج والتوريد ذات الصلة المباشرة بالمجهود الحربي الإسرائيلي.
النشطاء يعتبرون أن استهداف الشركات الوسيطة — سواء كانت صناعية أو أمنية — يرفع التكلفة الأخلاقية والقانونية لاستمرار هذه العلاقات التجارية في ظل مشاهد الدمار في غزة.
وتتزامن هذه التحركات مع دعوات لتنظيم احتجاجات متزامنة أمام منشآت تُنتج مكونات الـF-35 في بريطانيا، في محاولة لتسليط الضوء على المسؤولية الأوروبية في استمرار إمداد إسرائيل بالأنظمة العسكرية المتطورة.
مرحلة جديدة من الضغط الشعبي
في المحصلة، يُمثّل اقتحام مكاتب “سيكوريتاس” تحولًا نوعيًا في شكل العمل التضامني مع فلسطين داخل أوروبا، إذ لم يعد مقتصرًا على الشعارات، بل أصبح يستهدف البنية التحتية لسلاسل الإمداد العسكرية التي تربط القارة بالصناعات الإسرائيلية والأمريكية.
وبينما تتواصل الغارات على غزة دون توقف رغم “خطة ترامب”، يبدو أن الشارع الأوروبي يدخل مرحلة جديدة من الاحتجاج العملي، يسعى فيها إلى تحويل الدعم لفلسطين من رمزية الشارع إلى تعطيل فعلي لمنظومات السلاح التي تُستخدم ضد المدنيين.