عارضت منظمات نقابية وحقوقية وخبراء أمنيون مستقلون بشدة مشروع حكومة قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، والمسمى بـ "قانون الإجراءات الجنائية"؛ لأنه يستمر في انتهاك التزامات مصر بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان بضمان حقوق الضحايا في العدالة والإنصاف الفعال.
وقالت نقابة المحامين ونقابة الصحفيين، ومنظمات حقوقية محلية ودولية، وأحزاب سياسية وخبراء أُمميون مستقلون، في بيان مشترك، إن قانون الإجراءات الجنائية الحالي يمكّن مسئولي النيابة العامة والقضاة من إبقاء الناس محبوسين احتياطياً لأشهر أو سنوات، من دون جلسات استماع مناسبة أو أدلة على ارتكاب مخالفات.
كما يفتقر، مثله مثل قانون العقوبات، إلى تعريفات وعقوبات كافية لجرائم منهجية منتشرة بشدة، مثل التعذيب والاختفاء القسري، وفق البيان الذي صدر الجمعة.
تعزيز نطاق الإفلات من العقاب
وقدمت منظمة هيومن رايتس ووتش في أكتوبر الماضي، مراجعة غير شاملة لمشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، استندت إلى وثيقة من 95 صفحة نُشرت في عدد من المواقع الإلكترونية المؤيدة لحكومة السيسي في أغسطس 2024، بعد اقتراح الحكومة صياغة قانون إجراءات جنائية جديد، يتضمن اسم وشعار لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في مجلس النواب.
وقالت المنظمة إن الصياغة الجديدة (مشروع القانون) إذا ما تم اعتماده، سيعزز ويوسع نطاق الإفلات من العقاب عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي يتمتع بها موظفو الشرطة والأمن اليوم، بالتالي يستمر في انتهاك التزامات مصر بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان بضمان حقوق الضحايا في العدالة والإنصاف الفعال.
تحويل النظام القضائي إلى أداة للقمع الجماعي
وأضاف بيان الجماعات الحقوقية والنقابية، أن مشروع القانون هذا جزء من مجموعة من القوانين "المنتهِكة" التي تمنح السلطات المصرية صلاحيات "مفرطة" سمحت لحكومة عبد الفتاح السيسي منذ 10 أعوام بتحويل النظام القضائي إلى "أداة للقمع الجماعي، مع اعتقال ومحاكمة عشرات آلاف المنتقدين والمعارضين تعسفا، وقتل بعضهم أثناء الاحتجاز"، على حدّ وصف البيان.
وقال إن تحليلاً أولياً لمشروع القانون، وجد أنه "لا يُدخل إصلاحات جادة على قانون الإجراءات الجنائية، بل يقوّي النيابة العامة بوجه القضاة ويديم الصلاحيات غير المقيَّدة لقوات الأمن".
وكان مجلس النواب، وافق الأسبوع الماضي خلال جلسته العامة (الثلاثاء) على مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، من حيث المبدأ، في ضوء تقرير لجنة الشئون الدستورية والتشريعية.
وفي يناير 2024، أصدر السيسي "القانون رقم 1 لسنة 2024" القاضي بتعديل بعض أحكام الإجراءات الجنائية المتعلقة باستئناف الأحكام الصادرة في الجنايات، وتم نشره في الصحيفة الرسمية بعد موافقة مجلس النواب عليه نهائياً، وفق ما ذكرت منصّة "هنا القانون".
استمرار الحبس الاحتياطي لأشهر دون مراجعة قضائية
ورغم الوعود المتكررة من المسئولين، بمن فيهم السيسي، بمعالجة الانتهاكات الناتجة عن الحبس الاحتياطي، تابع البيان الحقوقي: "لا يقصّر مشروع القانون الحد الأقصى للحبس الاحتياطي إلا بشكل طفيف. كما لا يتماشى مع التزامات مصر الدولية بضمان أن يكون استخدام الحبس الاحتياطي الاستثناء وليس القاعدة، وعرض كل محتجز بسرعة وحضوريًا أمام قاضٍ للبت في شرعية احتجازه".
"كما يُبقي مشروع القانون على الصلاحيات الاستثنائية الواسعة لمسئولي النيابة العامة لإبقاء الأشخاص محبوسين احتياطيًا لأشهر دون مراجعة قضائية، ولا يعالج ظاهرة التدوير التي يتهم فيها مسئولو النيابة المعتقلين بقضايا جديدة بتهم متطابقة بشكل متكرر لإبقائهم محتجزين"، بحسب المنظمات الحقوقية والنقابية والخبراء الموقعين على البيان.
وأكدّوا أن مشروع القانون "يقوّض بشدة مبادئ المحاكمة العادلة، بأساليب منها التوسع الكبير في استخدام نظام الفيديوكونفرس المنتهِك في جميع جلسات الاستماع، وهو يُبقي المعتقلين معزولين عن العالم الخارجي".
استثناء وواقع
وفي وقت سابق، قالت المنظمات الحقوقية إن فلسفة القانون الذي أقره برلمان العسكر تدور حول تطبيع الممارسات والصلاحيات الاستثنائية.
وأضافت أن الاستثناءات كانت واقعًا معاشًا منذ الانقلاب أو ما اسموه "فترة الحرب على الإرهاب" ودمجها في القضاء العادي.
ومن ذلك السماح للنيابة بإجراء التحقيق في ظل غياب المتهم أو دفاعه أو وكيل الحقوق المدنية وفق ما تراه. ويُقيد القانون ممارسة الدفاع لعمله حيث يسمح للنيابة بتقييد وكيل الخصم في الكلام إلا بإذن فيما عدا الدفوع والطلبات.
ويقيد القانون حق المتهم والدفاع في الحصول على أوراق القضية والتحقيقات أثناء التحقيقات، إذا رأي ذلك.
ويسمح القانون بتفتيش المنازل دون وجود أصحابها أو من ينوب عنها ودون اشتراط وجود شاهدين من الجيران أو الأقارب وإثبات ذلك في محضر على غرار ما كان عليه الوضع في القانون السابق للإجراءات الجنائية.
تحصين بلطجة الداخلية
على صعيد تمكين وتحصين قوات داخلية السيسي المنوطين بإنفاذ القانون ومأموري الضبط القضائي والنيابة العامة، كما تكشف كثيرًا عن التسييس الذي لحق بمؤسسة النيابة العامة خلال هذه السنوات شمل ذلك التحصين حرمان المجني عليهم من رفع دعاوى جنائية ضد الموظفين العموميين بشكل مباشر، وتحصين الموظفين العموميين ضد الجرائم التي لا تسقط بالتقادم كالتعذيب والاعتداء على الحرية الشخصية وحرمة الحياة الخاصة للمواطنين، والسماح لمأمور الضبط القضائي باستجواب المتهم.
لا محاكمات عادلة
وأكدت المنظمات أن القانون يفتئت بمواده المطروحة على حقوق المواطنين في المحاكمة العادلة، وحقوق ومبادئ الدفاع الموكل عنهم، حيث لا يُبطل القانون الإجراءات في حال لم يبرز رجال الضبط القضائي ومرؤوسيهم ورجال السلطة العامة هويتهم عن القبض أو التفتيش، إضافة لتوسيعه صلاحيات مأمور الضبط أثناء تفتيش المنازل واتخاذ الإجراءات التحفظية المناسبة وفقا لسلطته التقديرية دون إذن قضائي مسبق ودون تحديد دقيق للقرائن المطلوبة.
علانية الجلسات
ومن سبل احتيال القانون على معايير المحاكمات العادلة، جاء نص على تقييد علنية الجلسات كلها أو بعضها، وكذلك تقييد حضور فئات معينة لها، دون أن يُحدد القانون ما هي هذه الفئات، إضافة لاشتراط أن يكون البث والنشر عن الجلسة بموافقة كتابية من رئيس الدائرة بعد رأي النيابة العامة.
وسمح القانون للمحكمة لمآخذة المحامي جنائيا لما قد تراه النيابة أو المحكمة تشويشا أثناء “قيامه بواجبه في الجلسة”. وتمييز مأموري الضبط القضائي والنيابة العامة عن القضاة من خلال إعطاء الحق للخصم في ردهم لكن عدم جواز رد مأموري الضبط القضائي ولا النيابة العامة.
واعتبرت المنظمات أن قانون السيسي للإجراءات الجنائية ردة عن مكتسبات دولة القانون وتطور القانون الجنائي المصري على امتداد قرن ونصف من الزمان، وعصفا بحقوق المواطنين وتراجعا عن الالتزامات الدولية لمصر، والضمانات الدستورية.