في واحدة من أخطر المنعطفات التي تهدد ما تبقى من "رئة سياسية" يتنفس من خلالها المجتمع المصري، وفي مواجهة صريحة لسياسات "الترهيب الناعم" التي تمارسها السلطة ضد العقول الوطنية المستنيرة، وجهت نخبة من الرموز السياسية والمثقفين وقادة الرأي رسالة تحذير شديدة اللهجة إلى الحكومة وأجهزتها الأمنية تحت عنوان "اتركوا أصوات الوطن".

 

جاءت هذه الصرخة الجماعية كرد فعل فوري وحاسم عقب استدعاء المفكر والباحث السياسي المرموق الدكتور عمار علي حسن للمثول أمام نيابة أمن الدولة العليا، في إجراء أمني غامض اعتبره الموقعون تجاوزاً لكل الخطوط الحمراء، وتهديداً وجودياً لحرية الرأي والتعبير التي كفلها الدستور، ومحاولة لإسكات صوت طالما انحاز للدولة الوطنية ومؤسساتها، ولكنه لم يتردد يوماً في نقد السياسات الخاطئة بشجاعة وموضوعية.

 

هذه الرسالة لم تكن مجرد بيان تضامن تقليدي، بل تحولت إلى "مانيفستو سياسي" يرفض نهج الإقصاء والملاحقة، ويطالب بفتح مسارات حقيقية للحوار الوطني، محذراً من أن استمرار التعامل الأمني مع أصحاب الرأي سيقود البلاد إلى نفق مظلم من الاحتقان والانسداد السياسي.

 

"الجبهة الوطنية" تنتفض: الترهيب لا يصنع استقراراً

 

لم يمر خبر استدعاء الدكتور عمار علي حسن، القامة الفكرية التي أثرت المكتبة العربية بعشرات المؤلفات الرصينة في علم الاجتماع السياسي والرواية، مرور الكرام. فقد فجر هذا الإجراء موجة غضب عارمة تجاوزت حدود التيارات السياسية التقليدية، لتوحد أصوات المعارضة والمستقلين وحتى بعض المحسوبين على "معسكر 30 يونيو" في خندق واحد دفاعاً عن "حق الاختلاف".

 

الموقعون على الرسالة، ومن بينهم برلمانيون سابقون وقيادات حزبية ونشطاء حقوقيون، أكدوا أن استهداف "عمار" هو رسالة تخويف لكل مفكر حر، ومحاولة لـ "تدجين" النخبة المثقفة وجعلها تدور في فلك السلطة.

 

وفي هذا السياق، عبر المهندس ممدوح حمزة، الناشط السياسي البارز، عن دهشته واستنكاره الشديدين لهذا الإجراء، مشيراً إلى المفارقة المؤلمة في أن دولة تحترم نفسها يجب أن تكرم مبدعيها لا أن تسوقهم إلى نيابات أمن الدولة. وكتب حمزة في تدوينة له تعكس هذا الألم: "دكتور عمار علي حسن استدعاء نيابة بدلاً من جائزة الدولة التقديرية على مجمل أعماله الأدبية"، معتبراً أن هذا النهج يكشف عن خلل في أولويات الدولة التي باتت تضيق ذرعاً بكل صوت عاقل.

 

 

من جانبه، أكد إيهاب الخولي، المحامي والسياسي، أن حرية الرأي مكفولة للجميع بموجب الدستور والقانون، ولا يجوز بأي حال من الأحوال المساس بها تحت ذريعة "حماية الأمن القومي" أو غيرها من المبررات المطاطة. وشدد الخولي في تصريحات صحفية على أن استدعاء المفكرين للتحقيق بسبب آرائهم هو "ردة حضارية" تعيد للأذهان عصور تفتيش الضمائر، مطالباً بوقف هذه الممارسات فوراً لإنقاذ سمعة مصر الحقوقية.

 

 

هيثم الحريري: "لا للإرهاب الفكري والاتهامات المعلبة"

 

في تصريح شديد اللهجة يعكس حالة الاحتقان السياسي، خرج النائب البرلماني السابق هيثم الحريري ليعلن رفضه القاطع لسياسة "تلفيق القضايا" و"الاتهامات الجاهزة" التي باتت سيفاً مسلطاً على رقاب المعارضين. الحريري، الذي طالما اشتبك مع قضايا الحريات والعدالة الاجتماعية، رأى في استدعاء عمار علي حسن تصعيداً خطيراً لا يمكن السكوت عنه.
وقال الحريري بوضوح: "لا للاتهامات المعلبة الجاهزة"، معتبراً أن استدعاء قامة وطنية وفكرية بهذا الوزن هو رسالة سلبية جداً في توقيت دقيق تحتاج فيه مصر لتكاتف جميع أبنائها لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية. وأضاف أن الوطن يُبنى بالحوار الجاد والمصارحة وليس بالملاحقات الأمنية وتكميم الأفواه، محذراً من أن استمرار هذا المسار سيؤدي إلى عزل الدولة عن قواها الحية وخلق فجوة ثقة لا يمكن ردمها.

 

صرخة تحذير: "البلاد لا تُبنى بالخرس"

 

لم تكن هذه الأصوات وحدها، بل انضمت إليها جوقة من الشخصيات العامة والسياسية، من بينهم القيادي مجدي حمدان، وزهدي الشامي، وأيمن عويان، الذين حذروا من خطورة "تجريف المجال العام" وإفراغه من مضمونه.

 

وقد اعتبر مجدي حمدان أن استدعاء عمار علي حسن مؤشر "بالغ الخطورة" على تراجع الحريات العامة، محذراً من أن استمرار هذا النهج يغلق أبواب الأمل في أي إصلاح سياسي حقيقي، ويؤكد للمواطن أن "الهامش الديمقراطي" المتاح ليس سوى ديكور شكلي يختفي عند أول اختبار حقيقي.

 

في الختام، يُجمع هؤلاء السياسيون والمثقفون على أن قضية عمار علي حسن ليست قضية فرد، بل هي "قضية وطن" و"اختبار نوايا" للسلطة الحالية. فإما أن تختار الدولة طريق "العقل والحوار" وتترك أصوات الوطن تصدح بالحق والنقد البناء، وإما أن تصر على طريق "الصوت الواحد" و"الرأي الأوحد" الذي لم يجر على البلاد عبر تاريخها إلا الخراب والتأخر. إنها دعوة أخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.