في مشهد أثار موجة واسعة من السخرية والتساؤلات حول مستوى الإعداد داخل المؤسسة التشريعية المصرية، شهد مجلس الشيوخ، خلال جلسته الافتتاحية، مواقف محرجة حين اضطر عدد من النواب إلى إعادة أداء القسم الدستوري بعد أن أخطأوا في تلاوة نصه الرسمي أمام رئيس المجلس.
وكان من بين الأسماء التي تداولتها وسائل الإعلام النائبتان ريم الصاوي وإيفا ماهر، بعدما التبست عليهما بعض كلمات القسم، مما استدعى تدخل رئاسة المجلس لتصحيح النص وإعادة الحلف من جديد.
قَسَم يتحول إلى مشهد كوميدي
ما ينفعش حد يحلف لهم بتوكيل موثق في الشهر العقاري؟
— سليم عزوز (@selimazouz1) October 18, 2025
تدمروا سمعة بيت العيلة؟ pic.twitter.com/6msgIrQxbM
الواقعة التي نقلها موقع القاهرة 24 تحت عنوان “مواقف محرجة تحت القبة” سرعان ما تصدّرت أحاديث مواقع التواصل، حيث اعتبر كثيرون أن ما حدث ليس مجرد زلة لسان، بل صورة رمزية لحالة التراجع العام في الأداء السياسي داخل مؤسسات الدولة. فالقَسَم الذي يُفترض أنه إعلان ولاء للدستور وخدمة الشعب، تحوّل إلى مشهد عبثي على الهواء مباشرة، يكرّس ما يسميه ناشطون “برلمان الموالاة”، لا “بيت الأمة”.
برلمان بلا روح
منذ انقلاب يوليو 2013، لم يعد البرلمان المصري يُنظر إليه كسلطة مستقلة تمارس الرقابة والتشريع، بل كأداة لتجميل وجه النظام. ولهذا يرى مراقبون أن اختيار الأعضاء بات يخضع لمعايير الولاء لا الكفاءة، ما يفسر غياب الوعي القانوني والدستوري حتى في المراسم الرسمية.
ويقول أحد المراقبين إن هذه المواقف “تعكس فراغًا سياسيًا مخيفًا، حيث يتحول القسم — أقدس لحظة في العمل النيابي — إلى بروفة مرتجلة تفضح هشاشة المشهد”.
بيت العائلة أم مسرح العائلة؟
“هل لا يمكن أن يحلفوا بالوكالة؟” تساءل الصحفي سليم عزوز ساخر على منصة X، في إشارة إلى عجز بعض النواب عن نطق القسم بدقة. لكن الإجابة القانونية واضحة: القَسَم النيابي عمل شخصي لا يجوز تفويضه أو توكيل غيره فيه. ومع ذلك، يبقى التساؤل الأعمق: كيف وصل أشخاص غير مؤهلين لتمثيل الشعب إلى مقاعد التشريع؟
البعض علّق بمرارة أن “بيت الأمة” تحوّل إلى “مسرح عائلة”، تُرتكب فيه الأخطاء أمام الكاميرات، دون خجل أو محاسبة.
من حفلات التصفيق إلى إعادة القَسَم.. سجل الإحراج البرلماني في عهد السيسي
هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها؛ فخلال السنوات الماضية شهد البرلمان المصري سلسلة من المواقف التي تحوّلت إلى مادة للسخرية في الشارع.
ففي 2016، دوّى تصفيق جماعي من النواب بعد كلمة “تحيا مصر” قبل أن يُدركوا أن الرئيس لم يُنهِ خطابه بعد، فعمّت الفوضى داخل القاعة.
وفي 2018، فاجأ أحد النواب الحضور بخطاب مكتوب باللهجة العامية، ما أثار موجة ضحك اضطر رئيس المجلس للتدخل.
كما شهدت جلسة 2020 سقوط الميكروفون من منصة رئيس المجلس أثناء البث المباشر، وسط ارتباك واضح من الأعضاء.
وفي 2022، نطق أحد النواب نص مادة دستورية خطأ أثناء مناقشة تعديل قانون الانتخابات، ما أجبره على الاعتذار العلني.
هذه الحوادث المتكررة لا يمكن اعتبارها مجرد “طرائف برلمانية”، بل مؤشرات على تراجع معايير الكفاءة والجدية في مؤسسة يُفترض أن تكون صوت الشعب وضميره.
رسالة للنظام قبل المواطنين
تجسد الحادثة، وإن بدت طريفة، مأزقًا سياسيًا أكبر: نظام يعتمد على الولاء أكثر من الكفاءة، وعلى الشكل أكثر من المضمون. فإذا كان نواب الغرفة الثانية من البرلمان لا يحسنون تلاوة القسم، فكيف يمكن الوثوق بهم في سنّ القوانين أو مناقشة الملفات الوطنية؟
إنها رسالة واضحة بأن ضعف الإعداد السياسي هو أحد إفرازات حكم الفرد وتكميم الأفواه، حيث يصبح القَسَم مجرد كلمات محفوظة تُتلى بلا وعي ولا مسؤولية.