أرسلت النائبة مها عبدالناصر، نائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، صرخة سياسية مضمّنة في قالب هادئ.
كلماتها التي تبدو بسيطة في ظاهرها تكشف واقعًا سياسيًا مأزومًا، تتحدث فيه المعارضة من داخل قفص مغلق، وتحاول أن تثبت وجودها في مشهدٍ انتخابي خالٍ من التعددية الحقيقية.

في كل جملة من رسالتها يظهر بوضوح أن المشاركة السياسية في مصر لم تعد خيارًا حرًا، بل مغامرة محفوفة بالخذلان، وأن الحكومة حولت الانتخابات إلى إجراء شكلي لا يحمل روح الديمقراطية.
 

رسالة النائبة: المشاركة في ظل انسداد الأفق السياسي
كتبت «عبد الناصر» في منشور عبر صفحتها على «فيس بوك»: «رسالة إلى كل الأصدقاء والمتابعين الأفاضل، أكيد كتير من حضراتكم عرف إني نازلة على القائمة الوطنية لمجلس النواب القادم، كان نفسي أعلن الخبر دون قائمة مطلقة وفي مناخ سياسي أفضل ونظام انتخابي كنا طارحينه وبنحاول نوصل له بس للأسف منجحناش ومع ذلك خدت القرار إني أكون موجودة».

في هذه السطور تتجلى مأساة السياسة المصرية: نائبة معارضة تعلن خوضها الانتخابات في مناخ سياسي مغلق، تعترف بعجز القوى الديمقراطية عن تحقيق "نظام انتخابي عادل"، لكنها تشارك لأن الغياب يعني مزيدًا من الإقصاء.
 

صوت المعارضة الخافت في زمن السيطرة الحكومية
وأضافت: «الحقيقة القرار ده كان له أكتر من سبب، السبب الأول إن ناس كتير من أصدقائي ومن اللي بيتابعوني شجعوني إني أكون موجودة مرة تانية والجملة الأساسية اللي اتقالت أنتي بتوصلي صوتنا، السبب التاني إني مقتنعة إن لو فيه فرصة اشتباك سياسي ولو بسيطة فوجودنا فيها ومحاولتنا لفتح المجال العام تستحق المحاولة، السبب الثالث قناعتي الشخصية إن التغيير مسار طويل وتراكم مستمر».

هذه الفقرة تختصر المأساة: المعارضة تُشارك لتُذكِّر بوجودها فقط، وليس لتنافس. تعترف عبدالناصر أن الاشتباك السياسي «ولو بسيط» يستحق المحاولة، في وقتٍ تغلق فيه الحكومة المجال العام، وتلاحق الأصوات المستقلة، وتُعيد إنتاج البرلمان في صورةٍ أقرب إلى دائرة تأييد لا تُسمع فيها سوى كلمة السلطة.
 

تغيير مؤجل وأمل بعيد المنال
وتتابع النائبة بصدقٍ مؤلم:  «ممكن أكون مش بحقق إنجازات واضحة وممكن يكون عندي طموحات أكبر حتى من قدراتي بس اللي أنا مقتنعة بيه وبقوله دايما إني راضية إني أكون جزء من مسار التغيير اللي متوقعة إني مش هشوف نتيجته بنفسي بس عندي أمل إن اللي بنعمله بيأسس وبيبني للأجيال اللي جاية».

في ظل سيطرة السلطة التنفيذية على كل مؤسسات الدولة، يبدو هذا الأمل أقرب إلى مقاومة رمزية. فالمعارضة المصرية، رغم صدق نواياها، تُواجه جدارًا من القوانين المقيدة، والملاحقات الأمنية، والإعلام الخاضع بالكامل لإرادة الحكومة.
 

فخر المعارضة… رغم العزلة
واختتمت منشورها قائلة: «فخورة بإني على الاقل بوصل صوتكم وفخورة جدا بحزبي المصري الديمقراطي الاجتماعي وهنفضل دايمًا بنمثلكم مش بنمثل عليكم».

هذه العبارة الأخيرة تختصر معنى الكرامة السياسية في زمن الهيمنة الحكومية. فبينما تُصادر الحكومة حق الأحزاب في المنافسة، وتُحكم قبضتها على الانتخابات، ما زالت بعض الأصوات تحاول أن تُمثل الشعب لا أن «تمثل عليه» كما قالت النائبة.
https://www.facebook.com/photo?fbid=1376139811177815&set=a.386866720105134

رسالة مها عبدالناصر ليست مجرد إعلان ترشح، بل شهادة حيّة على تراجع الديمقراطية في مصر. الحكومة التي تدّعي فتح المجال السياسي، تخلق مناخًا خانقًا لا يُتيح سوى «قائمة وطنية» واحدة، تُقصي المختلفين وتُكافئ الموالين. ومع ذلك، تظل كلمات النائبة تذكيرًا بأن المعارضة، رغم ضعفها، هي الضمير الذي يفضح زيف المشهد الانتخابي الذي تصنعه السلطة على مقاسها.

إن مشاركة المعارضة اليوم ليست دليلًا على حياة السياسة، بل على رغبتها في البقاء رغم الإقصاء. والحكومة، بتضييقها المستمر، تثبت أنها تخاف حتى من الأمل الذي تحمله كلمات نائبة قررت أن تظل «موجودة» مهما كان الثمن.