في مشهد يعيد للأذهان أسوأ ممارسات الدولة البوليسية، يجد المصريون أنفسهم أمام واقعة فاضحة تكشف هشاشة مؤسسات الحكم وعدالة الدولة تحت إدارة النظام الحالي.
فاستبعاد مرشح معارض من الانتخابات البرلمانية، بناء على تحليل مخدرات متضارب صادر عن الجهة الحكومية نفسها، ليس مجرد خطأ إداري أو خلل فني؛ بل هو مؤشر على انحدار الثقة في مؤسسات الدولة وتسييسها لخدمة أهداف السلطة.

القضية، التي فجّرها المحامي الحقوقي البارز خالد علي، لم تعد تخص مرشحًا بعينه، بل أصبحت مرآة لواقع انتخابي مزيف يُدار بالاتهامات الملفقة والاختبارات المسيسة.
 

فضيحة التحاليل: نتائج متناقضة من جهة واحدة
القصة بدأت حين تم استبعاد المرشح محمد عبدالحليم، ممثل حزب التحالف الشعبي الاشتراكي في دائرة بندر المنصورة، بزعم أن تحليل المخدرات الذي أجراه ضمن أوراق ترشحه أثبت وجود مواد مخدرة في دمه.
المفارقة المدوية أن التحليل الثاني — الذي أجري في الجهة نفسها وبنفس الإجراءات — جاء سلبياً تمامًا، مؤكداً خلو المرشح من أي مواد مخدرة.

ووصف المحامي الحقوقي البارز خالد علي استبعاد المرشح البرلماني محمد عبدالحليم، مرشح حزب التحالف الشعبي الاشتراكي بدائرة بندر المنصورة، على خلفية نتيجة تحليل أُجري ضمن أوراق الترشح زعمت وجود مواد مخدرة، بأنه “فضيحة”، وذلك بعد أثبت تحليل ثانٍ في نفس المركز وبنفس الإجراءات، وجاءت النتيجة سلبية تمامًا، أي تؤكد خلوه من أي مواد مخدرة.

وأشار علي إلى أن عبدالحليم فوجىء (الجمعة) باستبعاده، و (السبت) علم بسبب الاستبعاد “الزعم بتناوله المخدرات”، فسارع صباح اليوم للذهاب لمعامل وزارة الصحة التى أخذت منه العينة منذ اسبوع تقريباً، وطالب بالتحليل من جديد دون أن يفصح عن كونه مرشح، فجاءت النتيجة بخاتم النسر من ذات المعامل أنه لا يتعاطى أى مخدرات.

وعلق المحامي الحقوقي البارز على ذلك قائلا: “نحن أمام فضيحة لنتائج تحليل متضاربه من ذات المعامل”.

وأضاف: “بالطبع قام الاستاذ محمد بالطعن على قرار استبعاده والجلسة غدا، ونصيحتى إذا كان هناك رغبه فى استبعاده فيكفى الاستبعاد دون تلويث السمعة والشرف على هذا النحو. وأناشد الهيئة الوطنية للانتخابات أن تخضع الاستاذ محمد عبد الحليم للتحليل أمام الطب الشرعي وإعلان النتيجة للكافة”.
 

نظام انتخابي ملوث بالريبة


حادثة استبعاد عبدالحليم ليست الأولى، بل تأتي ضمن سلسلة طويلة من الإقصاءات التي تستهدف المعارضين والمستقلين. فبحسب حزب التحالف الشعبي، فإن ما جرى “جزء من نمط ممنهج لإقصاء كل صوت مختلف”.
الأمر لم يقتصر على هذا المرشح فحسب، بل شمل أيضًا شخصيات سياسية معروفة مثل النائب السابق هيثم الحريري، الذي واجه عقبات مماثلة خلال محاولاته للترشح.
هذه الحوادث المتكررة تؤكد أن الهيئة الوطنية للانتخابات، التي يفترض أن تكون مستقلة، تحولت إلى أداة تنفيذية في يد السلطة، تفتح الباب لمن تشاء وتغلقه في وجه من يعارض النظام.
 

التحليل الطبي كسلاح سياسي
استخدام التحاليل الطبية كذريعة لاستبعاد المرشحين المعارضين يمثل تطورًا خطيرًا في أساليب القمع السياسي. ففي ظل تكميم الأفواه وإغلاق المجال العام، لجأت السلطة إلى أدوات “نظيفة ظاهريًا” لتبرير الإقصاء، كالتقارير الطبية أو التحاليل “المفبركة”، مما يمنحها غطاء قانونيًا زائفًا أمام الرأي العام.

لكن ما كشفته الواقعة الأخيرة أسقط هذا القناع بالكامل؛ إذ أن تضارب نتائج التحليل من الجهة نفسها يجعل من المستحيل تبرير ما حدث على أنه مجرد خطأ إداري. إنها عملية إقصاء بغطاء طبي، تمس الشرف والسمعة دون دليل.
 

صمت رسمي فاضح
حتى لحظة كتابة التقرير، لم يصدر أي تعليق من الهيئة الوطنية للانتخابات أو الجهة الطبية المعنية. هذا الصمت لا يعني إلا شيئًا واحدًا: التواطؤ. فلو كانت هناك نية حقيقية للتحقيق أو لتصحيح الخطأ، لبادرت الدولة إلى توضيح ملابسات الواقعة أو تشكيل لجنة مستقلة لإعادة التحليل بإشراف الطب الشرعي كما طالب خالد علي.

لكن تجاهل القضية يعكس عقلية السلطة التي تتعامل مع المواطنين باعتبارهم رعايا لا يملكون حق المساءلة، ومع المعارضة كعدو يجب إسكاته بأي وسيلة.
 

انتخابات بلا ثقة.. ودولة بلا عدالة
واقعة استبعاد المرشح محمد عبدالحليم ليست مجرد “حادثة انتخابية”، بل دليل إضافي على انهيار منظومة العدالة والنزاهة الانتخابية في مصر. حين تُستخدم التحاليل الطبية لتلويث سمعة معارض، يصبح النظام نفسه ملوثًا، وحين تُكمم المؤسسات المستقلة عن قول الحقيقة، تسقط هيبة الدولة وتُقتل السياسة.

إن ما جرى ليس فضيحة لمعمل أو خطأ موظف، بل فضيحة لحكومة تحولت إلى خصم وحكم في آن واحد، تنتهك القانون باسم القانون، وتقصي المواطنين باسم الدولة.
وفي ظل هذا الواقع، لا يمكن الحديث عن انتخابات حقيقية، بل عن مسرحية حزينة تُدار بالاتهامات، ويُكتب سيناريوها في مكاتب الأمن لا في صناديق الاقتراع.