شهدت مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء صباح اليوم حادثًا مأساويًا جديدًا، حيث لقي أربعة عمال مصرعهم غرقًا داخل بئر صرف صحي أثناء أداء عملهم في أحد آبار الصرف أمام استاد العريش بمنطقة الضاحية، في واقعة تسلط الضوء مجددًا على ضعف إجراءات السلامة المهنية في مواقع العمل الخدمية بمصر، خاصة في قطاع المرافق العامة الذي يسجل سنويًا عشرات الضحايا بين العمال والفنيين منذ الانقلاب العسكري.
ووفقًا لمصادر محلية، فقد تلقت الأجهزة الأمنية بلاغًا بسقوط عدد من العمال داخل بئر صرف صحي أثناء محاولتهم إجراء أعمال صيانة دورية بمحطة الصرف، وعلى الفور هرعت قوات الحماية المدنية إلى الموقع، وتم الدفع بأربع سيارات إسعاف إلى مكان الحادث لنقل الجثامين إلى مستشفى العريش العام.
وأكدت المصادر أن فرق الإنقاذ تمكنت من انتشال ثلاث جثامين بعد ساعات من البحث، بينما تواصل فرق الحماية المدنية عملياتها لانتشال الجثمان الرابع، وسط ظروف صعبة داخل البئر الذي امتلأ بالغازات السامة ومياه الصرف.
غياب معايير السلامة وتكرار المآسي
الحادث الأخير ليس الأول من نوعه في مصر، حيث تتكرر مثل هذه الحوادث في مواقع الصرف الصحي بشكل يثير التساؤلات حول غياب إجراءات الأمان والتدريب، وعدم تزويد العمال بالمعدات الوقائية اللازمة، مثل أجهزة التنفس والملابس العازلة.
وفي كل مرة، تتشابه التفاصيل: عمال يدخلون إلى بئر أو خزان صرف دون تجهيزات كافية، يستنشقون غازات سامة مثل الميثان وكبريتيد الهيدروجين، ثم يفقدون الوعي تباعًا، ليتحول موقع العمل إلى مقبرة جماعية.
ويرى خبراء السلامة المهنية أن حوادث الصرف الصحي في مصر تكشف خللًا هيكليًا في منظومة الإدارة المحلية، حيث يغيب الإشراف الفني المباشر والتدريب الدوري للعاملين في هذا القطاع الحيوي. كما أن ضعف الرقابة على شركات المقاولات المنفذة لأعمال الصيانة يزيد من احتمالات الكوارث.
أبرز خمس حوادث مماثلة خلال السنوات الماضية
1 - حادث الإسكندرية – يونيو 2024:
لقي خمسة عمال مصرعهم أثناء تنظيف خزان صرف صحي في منطقة العجمي، بعد اختناقهم نتيجة استنشاق غازات سامة. حاول بعض العمال إنقاذ زملائهم دون معدات وقاية، فلقوا المصير نفسه.
2 - حادث المنيا – مارس 2023:
مصرع ثلاثة عمال وإصابة اثنين أثناء أعمال صيانة في محطة صرف بقرية دلجا. التحقيقات كشفت أن العمال لم يتلقوا أي تدريب مسبق على إجراءات دخول الأماكن المغلقة.
3 - حادث القليوبية – ديسمبر 2022:
سقوط أربعة عمال داخل خزان صرف أثناء تنظيفه في مدينة شبين القناطر. الضحايا لقوا حتفهم واحدًا تلو الآخر أثناء محاولة إنقاذ زميلهم الأول، في مشهد مأساوي وثقته كاميرات الهواتف.
4 - حادث البحيرة – أغسطس 2021:
مصرع ستة عمال في قرية الطيرية بمركز كوم حمادة بعد انهيار جدار بئر صرف أثناء عمليات الحفر اليدوي. الحادث أثار جدلًا واسعًا حول استخدام أساليب بدائية في تنفيذ أعمال الصرف بالمناطق الريفية.
5 - حادث الجيزة – أكتوبر 2019:
لقي أربعة عمال مصرعهم في بئر صرف بحي الهرم أثناء تنفيذ أعمال توسعة خطوط الصرف، إثر تسرب غازات سامة داخل البئر وغياب أجهزة التهوية، ما أدى لاختناقهم خلال دقائق.
تحقيقات ومطالب بالمحاسبة
وعقب حادث العريش، أمرت النيابة العامة بفتح تحقيق عاجل لمعرفة ملابسات الحادث وتحديد المسؤوليات، وسط مطالبات من الأهالي بمحاسبة المسؤولين عن تقصير إجراءات الأمان. كما ناشد عمال المرافق في المحافظة السلطات بضرورة توفير المعدات الحديثة للتعامل مع مثل هذه المهام الخطرة.
وأكد أحد العاملين في شركة المياه والصرف بالعريش – رفض ذكر اسمه – أن “العمال يدخلون الآبار دون أي معدات حماية، فقط بالحبال والمصابيح، لأن الشركة لا توفر الأدوات الكافية”، مشيرًا إلى أن “أي خطأ بسيط يعني الموت”.
مطالب بتفعيل قانون السلامة المهنية
ينص قانون العمل المصري على ضرورة التزام صاحب العمل باتخاذ إجراءات وقاية تضمن سلامة العاملين، لكن الواقع العملي يكشف أن هذا الالتزام غالبًا ما يبقى على الورق. الخبراء يطالبون بإنشاء وحدة طوارئ مركزية في كل محافظة لمتابعة أعمال الصرف الصحي، مع تدريب دوري للعاملين وتجهيزهم بأجهزة التنفس المحمولة.
في نهاية المطاف، يظل حادث العريش جرس إنذار جديد حول خطورة الإهمال في بيئة العمل، ورسالة بأن أرواح العمال ليست أقل قيمة من أي مشروع تنموي، وأن سلامتهم يجب أن تكون أولوية لا استثناء.