في خطوة تعكس محاولات متعثّرة لاحتواء أزمة متفاقمة، أعلنت كل من أفغانستان وباكستان عن عقد محادثات سلام في العاصمة القطرية الدوحة اليوم السبت، بعد تمديد هدنة مؤقتة جاءت إثر اشتباكات حدودية دامية أودت بحياة العشرات وأصابت المئات، في أسوأ موجة عنف بين البلدين منذ وصول حركة "طالبان" إلى السلطة في كابول عام 2021.

 

المفاوضات التي جاءت بوساطة قطرية ودعم من أطراف إقليمية ودولية، تهدف إلى وقف دوامة العنف على الحدود الممتدة لأكثر من 2600 كيلومتر، والتي تحولت خلال الأسابيع الأخيرة إلى ساحة مواجهات بين جيشي البلدين. وأعلنت مصادر رسمية أن الهدنة، التي جرى تمديدها لمدة 48 ساعة، ستظل سارية طوال فترة المحادثات، في محاولة لبناء أجواء من الثقة تمهيداً لأي تفاهمات مقبلة.

 

وأفاد المتحدث باسم الحكومة الأفغانية ذبيح الله مجاهد بأن وفداً رفيع المستوى من كابول، يقوده وزير الدفاع محمد يعقوب، توجه إلى الدوحة للمشاركة في الحوار. فيما أكدت وزارة الخارجية الباكستانية أن وزير الدفاع خواجة محمد آصف يترأس الوفد الباكستاني، بمشاركة مدير الاستخبارات الفريق عاصم ملك.

 

وقالت الخارجية في بيان رسمي إن المحادثات "ستركز على اتخاذ تدابير فورية لإنهاء الإرهاب عبر الحدود ضد باكستان، واستعادة السلام والاستقرار على طول الحدود المشتركة".

 

اشتباكات دموية وتبادل للاتهامات

 

تعود جذور الأزمة إلى تصاعد هجمات مسلحة داخل الأراضي الباكستانية خلال الأشهر الأخيرة، حيث تؤكد إسلام آباد أن تلك الهجمات تنطلق من "ملاذات آمنة" داخل أفغانستان تديرها جماعات متطرفة مرتبطة بحركة "تحريك طالبان باكستان" (TTP).

 

وقد ردّت باكستان على تلك الهجمات بغارات جوية ومدفعية عبر الحدود، أسفرت وفق مصادر محلية عن مقتل أكثر من 10 مدنيين في المناطق الأفغانية الحدودية.

 

وتنفي حكومة "طالبان" الاتهامات الباكستانية بشدة، مؤكدة أنها لا تسمح لأي جماعة باستخدام أراضيها لمهاجمة دول الجوار، متهمةً في المقابل الجيش الباكستاني بـ"نشر معلومات مضللة" و"احتضان مسلحين مرتبطين بتنظيم داعش" بغرض تقويض استقرار أفغانستان.

 

وقال مجاهد في بيان إن كابول "تحتفظ بحق الرد على أي عدوان"، لكنه أشار إلى أن التعليمات صدرت للمقاتلين بعدم التصعيد احتراماً لمسار المفاوضات ومكانة الوفد التفاوضي في الدوحة.

 

تفاقم الأزمة الأمنية

 

الاشتباكات الأخيرة، التي شملت معارك برية وغارات جوية متبادلة، جاءت بعد سلسلة من العمليات الانتحارية التي استهدفت قوات باكستانية قرب الحدود. وذكرت مصادر أمنية أن أحد تلك الهجمات، الذي وقع الجمعة، أسفر عن مقتل سبعة جنود باكستانيين وإصابة 13 آخرين.

 

وقال قائد الجيش الباكستاني الجنرال عاصم منير خلال حفل تخرج عسكري، إن "النظام الأفغاني مطالب بكبح وكلائه الذين يتخذون من أراضيه ملاذاً آمناً، ويشنون هجمات مروعة داخل باكستان".

 

في المقابل، أكدت وزارة الخارجية الباكستانية أن إسلام آباد لا تسعى إلى التصعيد، لكنها تطالب كابول باتخاذ إجراءات يمكن التحقق منها "ضد الجماعات الإرهابية التي تهدد الأمن الباكستاني".

 

الآفاق المستقبلية

 

ويرى مراقبون أن محادثات الدوحة تمثل اختباراً حقيقياً لقدرة الطرفين على تجاوز مرحلة الاتهامات المتبادلة، خصوصاً أن كلاً منهما يواجه ضغوطاً داخلية واقتصادية خانقة. كما أن استمرار التوتر بينهما قد ينعكس سلباً على جهود الاستقرار الإقليمي، لا سيما في ظل نشاط تنظيمات متطرفة على جانبي الحدود.

 

ورغم أن الهدنة الحالية توفر فرصة لخفض التصعيد، إلا أن الهشاشة الميدانية والتاريخ الطويل من انعدام الثقة بين البلدين يجعلان من الصعب التوصل إلى اتفاق دائم في المدى القريب. ومع ذلك، تبقى الدوحة — التي لعبت دوراً محورياً في مفاوضات سابقة بين أطراف أفغانية ودولية — منصة الأمل الأخيرة لوقف دوامة العنف بين الجارتين اللتين تجمعهما حدود وجراح وصراعات ممتدة لعقود.