تشهد الأسواق المصرية موجة غلاء غير مسبوقة في أسعار الخضروات والفواكه، وعلى رأسها الطماطم، فيما اصطلح الشارع على تسميته بـ"جنون الطماطم". ويعود السبب الرئيسي إلى قرار الحكومة رفع أسعار الغاز الطبيعي للمصانع، ما أدى إلى قفزات حادة في أسعار الأسمدة، لتتضاعف معها تكلفة الإنتاج الزراعي. ومع تصاعد الأزمة، لم يعد المستهلك المصري فقط هو المتضرر، بل المزارعون والمنتجون الذين يواجهون صعوبات هائلة في توفير مستلزمات الزراعة. هذا التقرير يرصد انعكاسات أزمة الطاقة على الأمن الغذائي، وأثرها على السوق المحلي.
الطماطم تتحول إلى أيقونة الأزمة
الطماطم، السلعة الأكثر شعبية على موائد المصريين، أصبحت المؤشر الأبرز لغلاء الأسعار. فقد قفزت العبوة (20 كيلو) في سوق الجملة إلى 600 جنيه، أي ما بين 30 و45 جنيهاً للكيلو في محلات التجزئة، بعدما كانت لا تتجاوز 10 جنيهات قبل أسابيع قليلة. وأكد تجار سوق 6 أكتوبر أن الأزمة ستظل قائمة حتى منتصف أكتوبر على الأقل، بسبب ارتفاع تكاليف الأسمدة والمبيدات والنقل، بجانب توقعات بزيادة أسعار السولار والبنزين قريباً.
قفزات جماعية في أسعار الخضروات
لم يكن "جنون الطماطم" سوى بداية لسلسلة ارتفاعات في أسعار باقي الخضروات. فقد رصدت الأسواق زيادات كبيرة: البطاطس 12 جنيهاً، الكوسا 25، الخيار 20، الباذنجان 15، البصل 13، الجزر 18، البامية 60، والفلفل الألوان 35 جنيهاً. وزادت الأسعار في الأسواق الشعبية بنسبة 30%، بينما تضاعفت تقريباً في المحلات التجارية الكبرى. ووفق بيانات جهاز الإحصاء، ارتفع معدل التضخم في أسعار الخضروات والفواكه بنسبة 39.7% خلال أغسطس الماضي.
الأسمدة بين الغاز والدولار
يمثل الغاز ما بين 60% و70% من تكلفة إنتاج الأسمدة، وبالتالي فإن قرار الحكومة برفع سعره للمصانع اعتباراً من 15 سبتمبر كان له أثر مباشر على الأسعار. قفز سعر طن سلفات النشادر إلى 17,850 جنيهاً، والمخصوص إلى 22,491، بينما ارتفعت أسعار اليوريا من 22 ألفاً إلى 25 ألف جنيه. ورغم دعم الدولة للأسمدة الموجهة للزراعة بسعر 4500 جنيه للطن، إلا أن شعبة الصناعات الكيماوية طالبت برفع السعر إلى 6000 جنيه، وهو ما قوبل بتحفظ حكومي خوفاً من موجة غضب جديدة بين المزارعين.
انقسام بين دعم حكومي وضغط استثماري
تحاول الحكومة الموازنة بين تلبية احتياجات السوق المحلي وتوفير العملة الصعبة. ففي اجتماع أخير، ألزم نائب رئيس الوزراء للتنمية الصناعية، كامل الوزير، المصانع بتقسيم الإنتاج إلى ثلاث شرائح: 40% لصالح وزارة الزراعة بالسعر المدعوم، وطرح جزء في السوق المحلي عبر مزادات علنية، والباقي للتصدير بهدف توفير الدولار. لكن أكثر من 50% من إنتاج الأسمدة يتجه للأسواق الدولية، خاصة أوروبا، ما يقلص الكميات المتاحة داخل مصر، ويعمق أزمة المزارعين.
انعكاسات مباشرة على المزارعين والمستهلكين
ارتفاع أسعار الأسمدة رفع تكلفة زراعة الفدان الواحد إلى ما بين 7 و15 ألف جنيه، ما دفع العديد من المزارعين إلى تقليص مساحات المحاصيل الاستراتيجية كالقمح والذرة، والتوجه لزراعة الخضروات والفواكه بحثاً عن الربح. لكن هذه الخطوة انعكست سلباً على استقرار السوق، إذ قلّت المساحات المزروعة بمحاصيل أساسية، فيما ارتفعت أسعار الخضروات بسبب نقص المعروض وضعف منظومة التخزين والتداول. وفي النهاية، وجد المستهلك نفسه أمام أسعار غذاء تضاعفت خلال أسابيع قليلة، مع توقعات باستمرار الأزمة بفعل ارتفاع تكاليف الطاقة والإنتاج.
وأخيرا تُظهر أزمة "جنون الطماطم" كيف يمكن لقرار حكومي يتعلق بالطاقة أن يتسلسل تأثيره ليضرب قطاع الزراعة والأسواق الغذائية مباشرة.
ومع استمرار اعتماد مصر على استيراد الغاز وارتفاع تكاليف الأسمدة، يبدو أن الضغوط على المزارعين والمستهلكين ستتواصل في الأشهر المقبلة، ما يضع الأمن الغذائي في قلب معركة اقتصادية واجتماعية متشابكة، قد تكون أخطر من مجرد أزمة موسمية.