كشفت تقارير مصرية أمس عن تقدم تحالف استثماري مصري سعودي بعرض لتمويل مشروع سياحي على جزء من جزيرة القيراطين بمحافظة الجيزة، بقيمة إجمالية تُقدّر بنحو 2.5 مليار دولار ومساحة مخططة نحو 50 فدانًا (45 فدانًا داخل حرم الجزيرة)، وتنفيذ مقترح يستغرق نحو 90 شهرًا.
المصادر التي نقلت التفاصيل وصفت العرض بأنه مشروع سياحي علاجي وترفيهي، يهدف إلى تحويل جزء من الجزيرة إلى "مركز سياحي عالمي".
أرض الفقراء أم مشروع النخبة؟
جزيرة القيراطين، في مركز أوسيم بالجيزة، قرية تاريخية يسكنها آلاف من الأهالي (إجمالي سكان القرية في إحصاءات 2006 بلغ 7,131 نسمة)، وتعاني نقصًا في الخدمات الأساسية بحسب تقارير محلية قديمة، أي تحويل لمساحة كبيرة من هذه الأرض لمشروع ترفيهي بقيمة مليارات الدولارات يطرح سؤالًا واضحًا: من الذي سيستفيد فعلاً؟ السكان المحليون سبق وأن اشتكوا من تهميش البنى التحتية والخدمات، فكيف يُمنح جزء واسع من أراضيهم لعقود استثمارية طويلة؟
أرقام الصفقة وتداعياتها الاقتصادية
الأرقام المتداولة؛ 2.5 مليار دولار واستثمار على 50 فدانًا وتنفيذ خلال 90 شهرًا، تبدو جذابة على الورق، لكنها تحتاج قراءة نقدية.
أولًا: مثل هذه الاستثمارات الكبرى عادةً ما تُرافقها تنازلات ضريبية، وإعفاءات، ونماذج مشاركة أرباح غامضة تُقدّم للدولة في كلمات وتقاس بالعقود في الحقائق.
ثانيًا: الاعتماد على استثمارات خليجية وخاصة سعودية لوحدها يعرّض مصر لمخاطر التقلبات السياسية والاقتصادية لدى الممولين؛ حتى مشاريع "الجيجات" في السعودية شهدت تباطؤًا واضحًا في الإنفاق في السنوات الأخيرة.
هذا يعني أن وعود التشغيل والعوائد قد تتأخر أو تُعاد صياغتها بعيدًا عن مصلحة العمال والمجتمع المحلي.
الحديث عن عرض مصري-سعودي نُقل عبر صحف ومواقع إخبارية اعتمدت على مصادر مطلعة، ولم يصدر حتى الآن بيان رسمي مفصّل من وزارة الاستثمار أو محافظة الجيزة يكشف بنود العقد ونسب الملكية والحوافز المقدمة للمستثمرين.
غياب الشفافية هذا يُعيد سيناريوات سابقة، حيث تفرض السلطات صفقات كبرى دون كشف كامل للشروط أو تقييم الأثر البيئي والاجتماعي أمام الرأي العام، أي موافقة نهائية على مثل هذا المشروع يجب أن تُرافق نشر النسخة الكاملة للعقد وتقييمات الأثر.
النسيج البيئي والاجتماعي.. خسارة للهوامش الحضرية
تحويل 45 فدانًا داخل حرم جزيرة مأهولة إلى مجمع سياحي علاجي وترفيهي سيغيّر من النسيج الاجتماعي والبيئي للمنطقة من تخصيص أراضٍ زراعية ومسطحات خضراء وأسواق محلية إلى مرافق سياحية أكثر نخبوية.
الدراسات البيئية والاجتماعية غير متاحة حتى الآن؛ وغيابها يعني تجاهل احتمالات فقدان سبل رزق المزارعين، زيادة الإيجارات، وتهجير غير معلن للسكان الفقراء بحجة التنمية.
هذا النمط من التنمية الذي يقوده تحالف المال والنفوذ تحت مظلة الدولة بدأ يظهر مرارًا في مشاريع سابقة.
مشاريع سياحية أخرى وتحالفات مشابهة
إلى جانب مشروع القيراطين، تم توقيع اتفاقية تحالف إماراتي-سعودي مع حكومة الانقلاب المصرية لمشروع ضخم على الساحل الجنوبي للبحر الأحمر باستثمارات تخطت 20 مليار دولار، مظهراً استمرار التوجه نحو مشاريع كبرى تتطلب تمويلًا أجنبيًا ضخمًا.
هذه المشاريع مع أنها توفّر فرص عمل بحسب تصريحات المسؤولين، إلا أنها تثير شكوكًا حول تأثيرها على المجتمعات المحلية ومستقبل التنمية المستدامة في مصر.
لماذا يجب أن نقلق؟
في حين تروّج الجهات الرسمية لأية أموال خليجية على أنها حل اقتصادي، فإن الحقائق تظهر أن بعض هذه الاتفاقات تأخذ شكلًا استحواذيًا على موارد محلية مقابل وعود قد لا تُنعش الاقتصاد العام.
كما أن تباطؤ بعض برامج الإنفاق الكبرى في السعودية ووجود ضغوط على صناديق استثمارية يشير إلى أن الأموال ليست ضمانة للنجاح أو للاستدامة.
الاعتماد على رأس المال الخارجي لمنح شرعية اقتصادية لنظام سياسي يقمع المعارضة ويهمّش الرقابة المدنية يطرح سؤالًا أخلاقيًا، هل الهدف التنمية أم تثبيت أركان حكم لفئة حاكمة؟
مطالب واضحة للمجتمع المدني
المجتمع المدني والهيئات المحلية والقوى السياسية تُطالب بالآتي: نشر مسودة الاتفاق بالكامل، إجراء تقييم مستقل للأثر البيئي والاجتماعي، ضمان نسب واضحة من منفعة المشروع تعود للمجتمع المحلي، وظائف بتدريب حقيقي، سكن بديل متاح، استثمارات في البنية التحتية المحلية، وإشراك السكان في أي قرار يخص أراضيهم.
إن استمرار الصفقات خلف الأبواب المغلقة لن يخلق تنمية عادلة، بل نسخًا جديدة من الاستحواذ على موارد المصريين باسم التنمية.