بعد مرور أكثر من 28 شهرًا على اندلاع الحرب في السودان بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، تبدو البلاد غارقة في صراع مدمر بلا أفق لحل سياسي.
ومع استمرار الانسداد وتعمق المأساة الإنسانية، بدأت ملامح تفكك الدولة السودانية تطفو على السطح، خاصة بعد إعلان "الدعم السريع" تشكيل حكومة موازية في دارفور، مقابل حكومة الجيش في بورتسودان، في مشهد يعيد إلى الأذهان سيناريو انفصال جنوب السودان عام 2011.
 

خريطة السيطرة العسكرية
أدت الحرب المستمرة منذ أبريل 2023 إلى تقسيم فعلي للبلاد بين طرفي الصراع.
فقد سيطرت قوات "الدعم السريع" على أربع ولايات من أصل خمس في إقليم دارفور، بالإضافة إلى مناطق واسعة في كردفان، فيما يحتفظ الجيش بولايات مركزية مثل الخرطوم، البحر الأحمر، الجزيرة، ونهر النيل، إلى جانب أجزاء من كردفان وشمال دارفور.

كما برزت قوى ثالثة، كالحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو في جنوب كردفان، وحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور في جبل مرة، ما يعكس حالة التشظي العسكري والسياسي العميقة.
 

حكومة "الدعم السريع" الموازية
في يوليو الماضي، أعلن تحالف "السودان التأسيسي" تشكيل حكومة موازية في نيالا برئاسة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، تضم مجلسًا رئاسيًا من 15 عضوًا، ورئيس وزراء هو محمد حسن التعايشي.
ورغم أن الحكومة الجديدة تبنّت دستورًا انتقاليًا، وطرحت خططًا لإصدار عملة وجوازات سفر وإنشاء "بنك دارفور الوطني"، فإنها تفتقر لأي اعتراف دولي، حتى من الدول التي ترتبط بعلاقات مع "الدعم السريع".

ويرى مراقبون أن هذه الخطوات تمثل محاولة لفك مؤسسات الدولة وإعادة إنتاج "سلطنة دارفور" التاريخية، لكنها في الوقت نفسه تزيد من المخاوف من التقسيم.
 

تحذيرات المعارضة من خطر الانفصال
عدد من السياسيين والمحللين السودانيين حذروا من أن خطر تقسيم السودان لم يعد نظريًا.
فقد قال بابكر فيصل، رئيس المكتب التنفيذي لحزب التجمع الاتحادي، إن استمرار الحرب هو "المهدد الأول لوحدة البلاد"، متوقعًا جولة جديدة من المواجهات مع نهاية فصل الخريف.

أما الصحافي ماجد علي، فأكد أن حكومة "الدعم" لن تنال أي اعتراف دولي، مشيرًا إلى رفض الاتحاد الإفريقي، والاتحاد الأوروبي، ومجلس الأمن، الاعتراف بها.

وفي السياق ذاته، أوضح المحلل مجدي عبد القيوم أن دارفور، رغم غناها بالموارد، تفتقر إلى منفذ بحري، ما يجعلها رهينة للارتباط بدول الجوار إذا أقدمت على الانفصال.

بينما اعتبر المحلل صلاح مصطفى أن تكرار تجربة جنوب السودان وارد جدًا، حيث ستنشب نزاعات قبلية داخلية بعد أي محاولة للانفصال.
 

البعد الإقليمي والدولي
المخاوف من تقسيم السودان ترتبط أيضًا بتشابكات إقليمية ودولية.
فبحسب القيادي الشيوعي صديق فاروق، فإن مشروع التقسيم ليس جديدًا، بل يرتبط باستراتيجيات مثل "الشرق الأوسط الجديد" و"الأفريكوم"، التي تستهدف السيطرة على موارد القارة.

وأشار فاروق إلى أن استمرار الحرب يخدم مصالح أطراف إقليمية تستفيد من تدفق الموارد السودانية دون رقابة، في حين تعجز اللجنة الأمنية التي تقود الجيش عن فرض شرعية سياسية مستقرة.

ومع غياب توافق وطني جامع، يخشى كثيرون أن يتحول السودان إلى بؤرة صراع طويلة الأمد، تتقاطع فيها أطماع الخارج مع تناحر المكونات الداخلية.
 

ختامًا: شبح التقسيم حاضر بقوة
لم تعد التحذيرات من تقسيم السودان مجرد مخاوف نظرية، بل واقعًا يفرض نفسه على الأرض، في ظل وجود حكومتين متنافستين، وجبهات قتال متوزعة، ومشاريع سياسية متعارضة.
ورغم أن التجربة السابقة في جنوب السودان أثبتت أن الانفصال لا يجلب السلام ولا الاستقرار، إلا أن استمرار الحرب الحالية قد يفتح الباب أمام سيناريوهات أكثر خطورة، تهدد بقاء السودان كدولة موحدة.

في غياب حل سياسي شامل يضع حدًا للحرب ويعالج جذور الأزمة، يبقى شبح التقسيم حاضرًا بقوة، يهدد وحدة البلاد ومستقبل أجيالها.