رغم التصريحات الحكومية المتكررة حول السعي لخفض الدين الخارجي وتحقيق استدامة مالية، تُظهر البيانات الرسمية والتقديرات الحكومية المؤكدة مسارًا معاكسًا تمامًا، مع توقعات بارتفاع تكلفة خدمة الدين الخارجي لمصر إلى مستويات قياسية بحلول عام 2026.
فبحسب مصدر حكومي رفيع، فمن المنتظر أن تبلغ خدمة الدين الخارجي بنهاية عام 2026 نحو 24.6 مليار دولار، مقارنة بـ22.5 مليار دولار متوقعة في نهاية العام الجاري 2025، وهو ما يمثل زيادة بقيمة 2.1 مليار دولار خلال عام واحد فقط، تعكس تفاقم الضغوط المالية على الدولة.
ما المقصود بخدمة الدين الخارجي؟
خدمة الدين تعني المبالغ التي تلتزم الدولة بسدادها سنويًا لتغطية التزاماتها تجاه الديون الخارجية، وتتوزع هذه المبالغ بين:
أقساط أصل الدين: وهي الأجزاء المستحقة من المبلغ الأصلي المقترض.
الفوائد: وهي التكلفة التي تدفعها الدولة مقابل الاقتراض، وتُحسب عادةً كنسبة من المبلغ الأصلي.
هذا العبء المتزايد لخدمة الدين يعكس ليس فقط توسع الدولة في الاقتراض الخارجي، بل أيضًا ارتفاع الفوائد المستحقة نتيجة تغيرات السوق الدولية، وزيادة مخاطر التصنيف الائتماني لمصر.
تضارب بين الأرقام والوعود
التناقض بين الواقع والتصريحات الرسمية بات أكثر وضوحًا خلال الفترة الأخيرة. ففي حين أكد أحمد كجوك، نائب وزير المالية، وجود خطة حكومية لخفض الدين الخارجي بمقدار ملياري دولار سنويًا، وتشديده على أن الحكومة تستهدف خفض ديون أجهزة الموازنة العامة إلى ما بين 77 و78 مليار دولار بنهاية يونيو 2025، جاءت البيانات الفعلية لتنسف هذه التقديرات تمامًا.
فقد كشفت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية عن ارتفاع الدين الخارجي لمصر إلى 156.689 مليار دولار بنهاية مارس 2025، بزيادة قدرها 1.596 مليار دولار عن نهاية ديسمبر 2024، والتي بلغت حينها 155.093 مليار دولار. أي أن الفجوة بين المستهدف والمتحقق تتسع، وسط غياب مؤشرات على تحوّل حقيقي في السياسات المالية أو أولويات الاقتراض.
أزمة الثقة وتمويل خارجي مؤجل
في سياق موازٍ، أعلن صندوق النقد الدولي تأجيل المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج الدعم المالي البالغ 8 مليارات دولار إلى خريف 2025، في إشارة ضمنية إلى عدم تحقيق تقدم كافٍ في الملفات الاقتصادية التي تُعد شرطًا مسبقًا للحصول على الدفعات الجديدة من التمويل.
وقال الصندوق إن قرار الدمج يهدف إلى إعطاء الحكومة مزيدًا من الوقت لتطبيق إصلاحات هيكلية عميقة، وعلى رأسها تقليص دور الدولة في الاقتصاد، وتحفيز القطاع الخاص، وتحقيق شفافية أكبر في إدارة الموارد العامة.
غياب البدائل يعمّق الأزمة
المثير للقلق أن التوسع المستمر في الاقتراض الخارجي يتم في ظل غياب استراتيجيات بديلة حقيقية لتحفيز الاقتصاد أو تقليل العجز، وهو ما يجعل الدين، وخدمته، يبتلعان جزءًا متزايدًا من الموارد العامة، ويقلصان من قدرة الدولة على توجيه الإنفاق نحو التعليم، والصحة، والبنية التحتية.
وبحسب خبراء اقتصاد، فإن الاعتماد المفرط على القروض الخارجية لتمويل العجز أو تنفيذ مشروعات دون عوائد إنتاجية مباشرة، يدفع البلاد نحو حلقة مفرغة من الاستدانة وسداد الفوائد، مع تآكل مستمر للاحتياطيات النقدية، وتراجع الثقة في الجدارة الائتمانية.